ما زالت تداعيات المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا تتوالى تباعا. وكل الاجراءات الصارمة التي تتخذها السلطات من اعتقالات مهينة للألاف من العسكريين والمدنيين والقضاة، والاتهامات العشوائية بحق ضباط سابقين من الصف الأول في الجيش، ومطالبة الولايات المتحدة الأميركية بتسليمها المعارض الإسلامي فتح الله غولن الذي يقيم فيها منذ سنوات والذي تم توجيه الاتهام إليه بتدبير هذه المحاولة الانقلابية رغم نفيه المتكرر لهذا الإتهام.

بل أن غولن ذهب إلى حد إتهام الرئيس التركي اردوغان بإخراج هذه التمثيلية  الذكية على المسرح التركي للمزيد من الاستئثار بالسلطة وضرب الحياة الديمقراطية، وكذلك الدعوات المتتالية من الرئيس التركي ومن رئيس الوزراء بن علي يلدريم الناس للبقاء في الشوارع والتلميح بعودة العمل بتطبيق عقوبة الإعدام.

إذ أنه وفي مقابلة أجرتها شبكة سي.أن. أن الأميركية صرح اردوغان للتلفزيون /أن أي قرار في شأن تطبيق عقوبة الإعدام يجب أن يقره مجلس النواب..... واضاف أن الناس في الشوارع طلبوا ذلك... الشعب يرى أن هؤلاء الإرهابيين يجب أن يعدموا... لماذا يتعين علي احتجازهم وتوفير الطعام لهم في السجون لسنوات مقبلة... هذا ما يقوله الناس... على حد تعبير اردوغان /، ونقلت السي أن أن عنه قوله أن أوراقًا رسمية ستقدم خلال أيام للسلطات الأميركية لطلب استرداد غولن من الولايات المتحدة الأميركية. 


فكل ما يجري على الساحة التركية من إجراءات متسارعة وارباكات متلاحقة تشير إلى تخبط القيادة السياسية في تركيا باتخاذ قرارات صائبة ومشروعة على المستوى الداخلي وفي علاقاتها الخارجية مع الدول الصديقة والحليفة والمعادية على حد سواء مما يلف الوضع التركي بطبقة كثيفة من الغموض ويحجب الرؤية عن التنبوء بمستقبل تركيا ودورها الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط.

 
إلا أنه ورغم كل التحليلات والتنظيرات حول الحدث التركي ورغم كل علامات الاستفهام الكبيرة التي ارتسمت حوله، إلا أن البارز من خلال المراقبة الدقيقة للمشهد التركي يشير إلى أن السلطان التركي وفي محاولة يائسة منه إجراء ما يشبه الإستفتاء الشعبي في جو من الرعب والهلع والمداهمات والملاحقات بأساليب بوليسية وإلقاء القبض على المناوئين له في مختلف القطاعات العسكرية والسياسية والقضائية ذوو الرتب العالية بطريقة وحشية ومسيئة للإنسانية ومنافية للحد الأدنى من الأخلاقيات والديمقراطية.

 وذلك بهدف اكتساب شرعية مهزوزة وسعيه لتوسيع قاعدته الشعبية مستفيدا من خصومة معارضيه وعلى رأسهم فتح الله غولن وذلك بتوجيه اتهامات لهم تصل إلى حد الخيانة واستخدامهم كورقة تعطيه شيك على بياض للمضي أكثر في الامعان بتحقيق طموحه ليصبح السيد الأوحد والأقوى في تركيا بعد إضعاف المؤسسة العسكرية التي كانت حامية لعلمانية الدولة التركية التي أسسها أتاتورك، وضرب الخصوم وايداعهم في غياهب السجون، والاسوأ من ذلك القضاء عل معالم الديمقراطية التي عرفتها الحياة السياسية في تركيا واستبدالها بحكم ديكتاتوري متسلط ومطلق، ما قد يدخل تركيا في دوامة من العنف يصعب التنبوء بما قد تؤول إليه الأمور.