(لا تكرهوا شيئا عسى أن يكون خيرا لكم ). 
فما حصل في تركيا منذ ايام قليلة لم يكن نقمة على الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بقدر ما كان نعمة هبطت عليه من السماء يستغلها لاستكمال بسط سيطرته على القوات المسلحة المناوئة له وعلى باقي مؤسسات الدولة لتكريس نفسه كزعيم أوحد على رأس البلاد بلا منازع وصولا إلى اعتلاء عرش سلطنة بائدة منذ قرن من الزمن ويحلم باستعادتها ليضع التاج العثماني على رأسه واعلانه إمبراطور العصر. 
ثلاث ساعات كانت كافية لسحق المحاولة الانقلابية الفاشلة التي نفذتها قوات من سلاح الجو وعناصر من القوات المدرعة بقيادة ضباط من رتبة عقيد وما دون. وذلك بخلاف كل الانقلابات العسكرية السابقة التي كان يقوم بها رئيس الأركان وقادة القوات المسلحة الجوية والبريه والبحرية. 
فما شهدته تركيا ليل السبت الماضي ما بين أنقرة واسطنبول كان اقرب إلى المسرحية منه إلى الانقلاب العسكري المتقن على السلطة السياسية بسبب غياب الأهداف المباشرة لهذه الحركة الانقلابية والغموض الذي اكتنف هذه المحاولة. وكذلك الاسلوب الذي اعتمده الانقلابيون. بحيث لم يتم احتلال القصر الجمهوري ولا مقر رئاسة الحكومة ولا وزارات الدفاع والإعلام والخارجية. مضافا إلى ذلك ضعف الأدوات التي استخدمت في هذه العملية الانقلابية والتي لم تتعد أكثر من بضع طائرات الهليكوبتر وعدد محدود من الدبابات مع الغياب الواضح لخطة مدروسة بعناية. وهذه عوامل ساعدت على إفشال هذا الانقلاب وعلى السرعة المفاجئة للالتفاف عليه واستيعابه ومن ثم القضاء عليه كما كان مفاجئا في توقيته. سيما وأنه ليست المرة الاولى التي تشهده تركيا من انقلابات عسكرية. قبلها شهدت اربعة انقلابات. ثلاثة منها مباشرة في الأعوام 1960 و 1971 و 1980 وانقلاب غير مباشر في العام 1997 عندما تم توجيه إنذار إلى رئيس الحكومة نجم الدين أربكان فاستقال بعد أشهر معدودة. 
لا شك أن الرئيس التركي اردوغان المرتبط بالقوات المسلحة بعلاقة متوترة في غالب الأحيان ويعود ذلك إلى جذوره ذات الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين التي تتناقض تماما مع جمهورية أتاتورك العلمانية والتي تحرص المؤسسة العسكرية على حمايتها والحيلولة دون إدخال أي أفكار دينية إليها كان دائما ومنذ اليوم الأول لتوليه السلطة في البلاد يعيش هاجس الانقلاب العسكري على حكمه. وهذا ما كان يدفع المجلس العسكري برئاسته إلى إجراء عمليات تطهير دورية داخل الجيش. وعليه وفي أعقاب هذه العملية الانقلابية الفاشلة سيعمد السلطان التركي إلى اتخاذها ذريعة للتخلص من خصومه في كل مؤسسات الدولة وخصوصا في المؤسسة العسكرية. وهذا يؤكد على نهجه في الاستئثار بالسلطة وركوب موجة سلاطين الإمبراطورية العثمانية. والتفرد بأصدار الفرمانات الهمايونية. 
لكن هذا لا يعني أن المشكلة في تركيا إنتهت. بل على العكس فإن غرور السلطان التركي والمبالغة في معالجة ذيول هذه المحاولة الانقلابية والأحكام القاسية بحق الانقلابيون والتي قد تصل إلى حد الإعدام  سيبقي الجمر تحت الرماد وسيترك المشكلة حية بانتظار فرصة ثانية لانقلاب سواء أكان عسكريا أو تحركا بشكل ما. وهذا مؤشر على أن تركيا دخلت في المجهول وقد تصاب بعدوى الربيع العربي التي قد تنتقل إلى دول مجاورة من بينها جمهورية إيران الإسلامية.