تزداد الإشارات الى أمر ما تدبّره طهران للأكراد، سواء المقيمين في أراضيها أو في منطقة الحكم الذاتي شمال العراق، إذ تكررت في الفترة الأخيرة البيانات العسكرية الإيرانية التي تتحدث عن اشتباكات بين مسلحين أكراد (إيرانيين) وبين وحدات «الحرس الثوري» المنتشرة في المناطق الكردية المحاذية للعراق، متهمة رئاسة الإقليم الكردي (العراقي) بتقديم الدعم لهم، تدريباً وتسليحاً، ومتوعدة بملاحقة هؤلاء «المتمردين» أينما كانوا، بعدما قصفت مدفعيتها مواقع مفترضة لهم داخل كردستان العراق.

 

 

لكن الذريعة التي يستخدمها الإيرانيون، أي الاشتباكات، ليست جديدة، فهم تكتموا على مواجهات سابقة وعلى عمليات اعتقال لناشطين سياسيين أكراد يشنها «الحرس الثوري» بين الحين والآخر. الجديد هو الربط بين تحرك الثوار الأكراد من حزب «حياة كردستان الحرة» (بيجاك، الوثيق الصلة بحزب العمال الكردستاني بزعامة اوجلان) وبين «الحزب الديموقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني. غير أن هذا الاتهام لا يستقيم لأن إدارة بارزاني الحريصة على استقرار الإقليم تعارض بشدة العمليات التي يشنها حزب اوجلان ضد تركيا وتلاحق عناصره الذين يتسببون بعمليات تركية انتقامية في كردستان العراق، فكيف إذاً تشجعه على شن هجمات على إيران؟

 

 

لكن إيران التي تستكمل إطباقها على القرار السياسي والعسكري في العراق، تستعد لمرحلة ما بعد معركة تحرير الموصل الوشيكة، والتي تشمل على ما يبدو التخطيط لتطويع الأكراد العراقيين. فهي تعتبر أن قيام دولة كردية مستقلة في شمال العراق بموجب استفتاء يدعو بارزاني الى طرحه على سكان الإقليم «يتعارض مع مصالحها» في هذا البلد، ويهدد بزيادة عدم الاستقرار في المناطق الإيرانية ذات الغالبية الكردية. وتدعي أن الدولة المزمعة ستكون «دمية في يد إسرائيل والغرب»، وأن «تقسيم العراق يفيد داعش وإسرائيل»، علماً أن إيران لم تحرك ساكناً عندما احتل «داعش» مناطق عراقية واسعة، بل إن اتهامات جدية وجهت اليها بتسهيل مهمته عبر تشجيع قرار انسحاب الجيش العراقي أمامه، وعلماً أيضاً أن قوات «البيشمركة» الكردية ستشارك في معركة تحرير الموصل من يد تنظيم «الدولة الإسلامية».

 

 

ويبدو أن تضخيم ما يحصل في شمال غرب إيران والحديث عن عودة النشاط الكردي المسلح يهدفان الى التغطية على الهدف الحقيقي لطهران في منع الأكراد العراقيين من تتويج حكمهم الذاتي بدولة مستقلة، فيما هي تريد فعلياً إعادة إخضاعهم لسيطرة بغداد الخاضعة بدورها لها، وإعادة التفاوض معهم على المناطق الغنية بالنفط المتنازع عليها وفرض شروط سياسية من بينها تقليص العلاقات مع تركيا.

 

 

وبدأ حلفاء طهران العراقيون والأكراد ركوب الموجة الإيرانية. ومع عودة قوات «الحشد الشعبي» الشيعي الى تحركاتها الاستفزازية للأكراد وإنشائها معسكراً ينشط فيه مدربون إيرانيون في منطقة طوزخورماتو التي سبق أن شهدت اشتباكات بينها وبين «البيشمركة»، أعلن «الاتحاد الوطني الكردستاني» (بزعامة جلال طالباني) وحركة «التغيير» الكردية دمج كتلتيهما في البرلمان الاتحادي بهدف «العمل لتغيير نظام الحكم في الإقليم وتقليص صلاحيات بارزاني» الذي تنتهي ولايته الرئاسية الشهر المقبل ويرجح انتخابه مجدداً.

 

 

وكانت بيانات «الحرس الثوري» أشادت بحزب طالباني وتعاونه في تقديم معلومات عن المسلحين الأكراد الإيرانيين في الإقليم.

 

 

ويترافق ذلك مع التوتر الذي أثارته الدعوات الى إعلان «إقليم السليمانية» في كردستان (بمحاذاة الحدود الإيرانية) من جانب طرفي التحالف البرلماني الجديد، واعتبار أوساط بارزاني انها محاولة لشق صف الأكراد العراقيين ودفعهم الى الاقتتال «تلبية لمصلحة إيرانية».

 

 

لكن المفارقة التي تفضح تلوّن طهران في تعاملها مع المسألة الكردية وإخفاءها مقاصدها الحقيقية، هي أنه في وقت تؤيد النظام السوري في دعمه حزب «الاتحاد الديموقراطي الكردستاني» (بزعامة صالح مسلم) الموالي لحزب اوجلان، والذي خاض معارك ضد المعارضة السورية، تقاتل حلفاءه الآخرين من أكراد إيران وتهدد أمن كردستان العراق ووحدته.