ماذا يريد العماد ميشال عون؟ إنه يسعى إلى أن يكون الضلع المسيحي المفقود في شركة المسلمين والدروز، «الشركة المثلّثة» التي أدارت البلد بعد «الطائف»، برعاية سوريا المكشوفة- كلياً- حتى العام 2005، وبرعايتها المستورة- جزئياً- حتى اليوم. لذلك، هو يحاول مرّة تلو الأخرى أن «يضرب الكوز بالجرّة» في ملف الرئاسة.قبل «الطائف» بأربع سنوات، في نهاية 1985، كانت الفرصة متاحة لشراكة ثلاثية تضمّ المسيحيين والشيعة والدروز (إيلي حبيقة- نبيه بري- وليد جنبلاط)، تستثني السُنّة، ومصنوعة في دمشق.

الفارق بين الاتفاق الثلاثي 85 واتفاق الطائف 89، هو أنّ الأوّل جرى إسقاطه بالوجَع المسيحي (مواجهة حبيقة مع جعجع والجميّل). أما الثاني فجرى تمريره بالوجَع المسيحي (مواجهة عون مع جعجع)، وكان «الطائف» هزيمة لعون عام 1989.

مشكلة المسيحيين، بعد «الطائف»، أنّ الشراكة أو الشركة التي جرى تلزيمها السلطة لإدارة لبنان في العهد السوري، لم تستقل من مهمتها ولم تتنازل عنها بعد خروج سوريا. ولذلك انفجرت أزمة عون مع «التحالف الرباعي» عام 2005 الذي هو عملياً تحالف ثلاثي شيعي- سنّي- درزي.

حينذاك كانت صدمة المسيحيين كبيرة لأنهم اكتشفوا أنّ الحليفين السنّي والدرزي في «14 آذار» اختارا إحياء الشراكة التي صنعتها سوريا مع الخصم الشيعي في «8 آذار»، متجاوزين ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري ومستتبعاته كافة.

ينبغي الاعتراف هنا بأنّ عون، تحت تأثير الصدمة، فضّل أن يذهب مباشرة إلى أقوياء الشيعة لئلّا يبيعه لهم ضعفاء السنّة. وهذا ما عاد وفعله النائب وليد جنبلاط الواضع «رِجْلاً في الفلاحة وأخرى في البور». ولم يكن ذلك مستغرباً فيما كان الرئيس سعد الحريري نفسه يُجري التجارب السياسية مع الرئيس بشار الأسد في دمشق ومع «حزب الله» في بيروت.

لقد بدا التحالف الرباعي، الذي استبعد المسيحيين، وكأنه تواطؤٌ طائفيٌّ براغماتي لقيادة البلد. فلماذا يتنازل السنّة والدروز للمسيحيين، فيما هم يستطيعون استثمار التنازل مع الطرف الأقوى، أي الطرف الشيعي؟

منذ العام 2005، يحاول عون أن يفرض نفسه جزءاً من معادلة السلطة. لكنّ أحداً من أركان «التحالف الرباعي»- الثلاثي واقعياً- لا يجد نفسه مجبراً على إعطاء أيّ طرف مسيحي، لا عون ولا سواه. ففي السياسة، لا أحد يتبرَّع بالتنازل لطرف لا يملك شيئاً في المقابل.

لذلك، ليس لدى عون أوراق قوة مُهمّة، باستثناء واحدة: التحالف مع «حزب الله». فـ»الحزب» مستعدّ لتحمُّل «زعل» الدنيا كلها إلّا عون. ولكن، عندما «ينحشر» «الحزب» بقرار لا يعجب «الجنرال»، يترك للآخرين تنفيذه، بطريقة غير مباشرة، ويخرج منه ببراعة وبراءة!

هذا ما يجري في ملف دعم عون لرئاسة الجمهورية. وهذا ما جرى نهاية العام الفائت، عندما أدرك «الحزب» أنّ هناك حتمية لانعقاد جلسة تشريعية للمجلس النيابي، فترك للرئيس نبيه بري أن «يدبّرها» بطريقته، بعد إرضاء عون وسائر القوى المسيحية بقوانين «عابرة».

في الحوار المنتظر لثلاثة أيام مطلع آب المقبل، هناك محاولة جدّية لتمرير سلّة الرئيس نبيه بري في سياق تسوية موضعية وموقتة خلال الأشهر المقبلة. لكن المؤكد أنّ اللاعبين ليسوا في وارد جعل عون أو أيّ زعيم مسيحي آخر شريكاً حقيقياً في مكاسب السلطة وغنائمها.

فالقوى التي تدير البلد اليوم «لن توجِّع رأسها» برئاسة الجمهورية، أو بعون في رئاسة الجمهورية. فالرجل ليس من النوع الذي يسهل التعاطي معه في هذا الموقع. وإذا كان رؤساء سابقون قد أثاروا المتاعب أحياناً لأركان الحكم الآخرين، فكيف بعون؟

ولكن، يبقى السؤال: لو قُدِّر لعون أو أيّ زعيم مسيحي أن يدخل نادي الشركاء الشيعة والسنّة والدروز الذي يدير البلد، هل سيكون حارساً لمصالح المسيحيين في هذه الشركة أو الشراكة أو سيحصر الشراكة بمصالحه الخاصة، كما يحصل غالباً؟

في عبارة أخرى، هل شركة زعماء الطوائف هي فعلاً شركة لتنسيق المصالح بين الطوائف والرعايا أو هي شركة الاحتكارات والغنائم الموزَّعة فردياً في ما بينهم؟ ولذلك، يُطرح السؤال: ما معنى إصرار البعض على أن يكون الغاز والنفط جزءاً من صفقة تتضمّن أيضاً رئاسة الجمهورية؟!

وفي عبارة أخرى، هل سينتهي الأمر بإرضاء عون (وباسيل) بمكتسبات في السلطة والنفط لكسب رضاه على الصفقة، فيما يتمّ تجاوزه كما القوى المسيحية كافة في ملف رئاسة الجمهورية، على غرار ما حصل في الدوحة؟

المطّلعون يجزمون: لا مجال لوصول عون إلى بعبدا، والاسم المرجَّح جاهز ولا يحتاج إلّا إلى عملية إنضاج... عندما يحين الوقت للإفراج عن رئاسة الجمهورية.

أما النفط والغاز، وهما بيت القصيد، فآبارهما عميقة وفيها يختبئ الكثير من الغاز والألغاز. ولعلّ أبرز سمات هذا الملف هو أنّ الكثير من مكوّناته النفطية لا يُرى بالعين المجرّدة وسريع التبخُّر!