لا يمكن تصّور الإرهاب من دون وضع المراحل التي تسبقه في الحسبان. الإرهابي حصيلة مراحل مّر عليها٬ هناك أغذية ومحتويات ومضامين يحملها العقل الإرهابي.

يعتبر الخطاب المتطّرف المهمل والسائل في المجتمع٬ ومنابر الإعلام٬ ووسائط الاتصال الاجتماعي٬ أحد أبرز روافد الإرهاب ومنابعه. هذا مع اختلاف التجنيد بين تنظيم وآخر. المنضوي لتنظيم القاعدة يختلف عن المجّند بـ«داعش»٬ وهي اختلافات تطال الأساليب والأشكال٬ وتنّوعها يأتي بسبب تمايز الغايات والأهداف.
لعل من قرأ وثائق أسامة بن لادن التي بلغت زهاء ثلاثمائة صفحة يعرف الفرق التكتيكي بين «القاعدة» و«داعش». ما كانت تنشده «القاعدة» وأذرعتها بسنوات أخذت "داعش» تحصل عليه بأيام. يصّح ذلك على التنظيمات التربوية؛ إذ كانت تسيطر على المناشط غير الصفّية٬ والمؤسسات الكشفية٬ والملتقيات الإنشادية؛ بغية الوصول إلى الهدف بعد سنوات من التنشئة والحّث وإعادة التشكيل٬ وهذه رؤية محمد سرور زين العابدين٬ وقد فّصلها في حواره المطّول بما يشبه الذكريات٬ سردها في سبع ساعات تلفزيونية٬ وقد استمّدها من النظرية الإخوانية التأسيسية «بطيء٬ ولكن أكيد المفعول» كررها محمد قطب في كتابه الأساسي «واقعنا المعاصر».

بعد أربعة عقوٍد من الحيرة الحكومية والشعبية بكرة النار الراديكالية بانت ثمرة تلك الشجرة٬ لم يكن الخطاب الديني المعلن سوى قشرة على الحلم السياسي٬ للحاكمية٬ والخلافة٬ والثورة الإسلامية على غرار الثورة الإسلامية الإيرانية٬ للحصول على النظام السياسي المنشود.

وعت السعودية هذا الخطر مبّكًرا٬ فأخذت على عاتقها محاربة رموز التطرف منذ عام ٬1994 حينها قامت بحملات تمشيط لحماية المجتمع من الخطاب الثوري٬ لمحاصرة «الحالة الكاسيتية»٬ بعض الرموز كانوا يريدونها «خمينية سنّية»٬ ولعل لولي العهد السعودي الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز مقولات مهمة في حواره مع صحيفة «السياسة» الكويتية؛ إذ بان غضبه على من أحسنت السعودية إليهم ثم قلب لها ظهر المجّن. قادت السعودية الحرب على الفكر المتطّرف قبل أن يصل إلى ذراه الإرهابية.

النمط الإرهابي حصيلة عقود من التطرف٬ روافد كثيرة ساهمت في تشكيل «داعش»٬ منها المؤسسات التربوية٬ والخطاب الإخواني. مقولات سيد قطب أهم عناصر تأسيس «داعش»٬ ثم إن يوسف القرضاوي نفسه٬ مفتي الإخوان المسلمين قالها بوضوح: «أبو بكر البغدادي كان من الإخوان المسلمين»٬ أيمن الظواهري أّرخ لسيرة أسامة بن لادن٬ وأكد أن تكوينه الأساسي كان في محاضن الإخوان المسلمين٬ هذا هو المنبع الذي رويت منه التنظيمات الإرهابية٬ وليس سرا أن يافطات تتضمن مقولات لسيد قطب تملأ شوارع الرقة ومناطق سيطرة «داعش» في العراق وسوريا.

ثمة أفكار مكّونة للعقل الإرهابي٬ يستمدها من رموزه٬ ومن مراجعه الذين تربوا هم أيضا على رموز أكبر منهم ومراجع تاريخية استمعوا إلى أحاديثها ومحاضراتها من عبد الله عزام٬ وصولا إلى أدبيات الانتحار٬ وتبرير التفجير في عصرنا الحاضر.

مع اشتداد وطأة الإرهاب تجدد السعودية التزامها التاريخي بالحرب على الإرهاب٬ وفي كلمة الملك سلمان
الموجهة للسعوديين وللمسلمين بعيد الفطر٬ أكد أن: «المملكة عاقدة العزم ـ بإذن الله ـ على الضرب بيد من حديد على كل من يستهدف عقول وأفكار وتوجهات شبابنا الغالي٬ وعلى المجتمع أن يدرك أنه شريك مع الدولة في جهودها وسياساتها لمحاربة هذا الفكر الضال٬ ونحن في هذا نستهدي بتعاليم ديننا الإسلامي الذي يعصم الدماء والأموال».

هذا التأكيد يأتي استمرارا لمشوار من المواجهة الحاسمة على الأرض وفي الإعلام والسياسة ضد الإرهاب؛ إذ لاحقت المتطرفين والإرهابيين في أنحاء العالم٬ وتعقد اتفاقيات أمنية مع حكومات إقليمية ودولية للتعاون في مجالات مكافحة الإرهاب٬ ومتابعة المتورطين والمطلوبين.

محاربة الإرهابيين أساسية٬ وبموازاتها لا بد من متابعة الأفكار التي تشربوها. فتاوى وتعليمات وصيغ تلقين ساعدت على تشكيل العقل الإرهابي٬ على سبيل المثال تنقل جريدة «الوطن» السعودية٬ عن محمد الِعِمر ­ الشقيق الأكبر لمنفذي العمليات الانتحارية بالقطيف الأخوين عبد الرحمن وإبراهيم الِعِمر ­ أن أخويه لم يتلقيا أي تعليم نظامي٬ ولم يستخرجا بطاقات الهوية الوطنية لتحريمهما التصوير٬ لكنهما تعلما في حلقات تحفيظ القرآن منذ الصغر٬ ولم يلتحقا بالمدارس النظامية لتحريمهما لها!

بآخر المطاف٬ دللت العمليات الإرهابية الأخيرة على أمرين٬ أولهما: فشل التنظيم وعجزه عن تنفيذ الخطط كما أرادها. والآخر: انكشاف التنظيم إعلامًيا٬ فبعد التفجير بالحرم النبوي٬ وعدم احترام مقام النبّوة لم يعد للتنظيم أي مشروعية لدى بعض المتعاطفين الصامتين٬ وإن تغّطى بالأهداف السياسية والمقاومات الكاذبة.
من الآن٬ سيأخذ المحّرض حسابه وعقابه٬ وسيضَرب العابث بأفكار الناس بيٍد من حديد٬ هكذا قالها الملك سلمان٬ المحارب الأول للفكر الإرهابي في المنطقة.

فهد سليمان الشقيران