لا يمكن فصل التفجيرات الإرهابية التي تعرَّضت لها المملكة العربية السعودية، ووصلت الى الحرم النبوي الشريف عن سياق طويل من الصراع الجاري في المنطقة.

فالمملكة العربية السعودية التي استُهدفت مرات عدة، منذ تفجير الخبر، الى موجة التفجيرات التي طاولت مدناً عدة منها جدة، تستقبل اليوم تحدياً جديداً لعله الاخطر، ولاسيما بعد التهديدات التي تلقتها من إيران في موضوع ادارة الاماكن المقدسة ومراسم الحج.

لا تستبعد مصادر ديبلوماسية عربية أن تكون التفجيرات الاخيرة حلقة في سياق مسلسل لم ينته، وهو مرشح للتصاعد ولاسيما بعد تحوّل نسبي في ميزان القوى في سوريا، خصوصاً في منطقة حلب لصالح المعارضة السورية المدعومة من السعودية وتركيا، حيث عبّرت السعودية عن الرفض الكامل لبقاء الرئيس السوري بشار الاسد في السلطة، واضعة خطاً أحمر حول أيّ تسوية تتضمّن بقاءه.

في الترجمة اللبنانية لمرحلة ما بعد التفجيرات الارهابية في السعودية، لا بدّ من قراءة مختلفة لما قد يستجد بخصوص اقتراحات الحلول، وأبرزها موضوع السلة المتكاملة التي يطرحها الرئيس نبيه بري، والتي يبدو أنه لن تتيّسر لها فرص النجاح، في ظلّ الرفض السعودي للمقايضة بين انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، وإعطاء ضمانة ببقاء الاسد في سوريا.

وتأتي هذه التفجيرات لتشير الى احتدام المواجهة الايرانية - السعودية في المنطقة، ولا سيما أنه سبق لايران أن هدّدت السعودية بعد حادثة مراسم الحج السنة الماضية، وها هي التفجيرات تستهدف حسب المصادر هذه الاماكن المقدسة، في رسالة الى المملكة بأنّ أمنها سيكون مهدّداً في العمق.

امام هذا المشهد، ماذا ستكون خيارات الاطراف في ما يتعلق بالتعامل مع السلة، ومع كلّ ما يُطرح من حلول، فهل سيبقي الرئيس سعد الحريري على ترشيحه رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية أم انه سيعمد الى تنفيذ مناورة إنسحابية، تعيد الامور الى ما قبل هذا الترشيح؟

وكيف يمكن تنفيذ هذه المناورة، خصوصاً إذا ما استمرّ رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع في ترشيح رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون، وهو على الأرجح مستمرّ في ترشيحه، مع علمه المسبق بأنّ وصول عون دونه عقبات، فهو غير مقبول عربياً ودولياً، كما أنّ مكوِّناً اساساً في لبنان يعارض وصوله إلى الرئاسة.

في المعلومات، أنّ جعجع فشل في إقناع الحريري بتبنّي ترشيح عون، وهذا يعود لأسباب عدة أولها عدم قدرة الحريري على تسويق عون في بيئته، وعدم قدرته على تخطي الرفض السعودي لوصول عون، خصوصاً أنّ الاخير لا يملك إلّا طرح معادلة تبادل الوصول الى بعبدا والسراي، ولا يملك أيّ ورقة يمكن البتّ بها بخصوص قانون الانتخاب، وتأليف الحكومة والثلث المعطل والبيان الوزاري، وغيرها من القضايا الاساسية التي يريدها «حزب الله» جزءاً من السلة المتكاملة، كسلة إنجازات تعكس رغبته في السيطرة الضمنية على أبرز مفاصل السلطة.

لهذه الاسباب وغيرها، لا يُتوقع في ظلّ الصراع الايراني - السعودي المستعر، أن يسجَّل أيّ اختراق يؤدي الى انتخاب رئيس، فيما الأمور تسير في اتجاه التعامل مع استحقاق الانتخابات النيابية، بعد سنة، هذا الاستحقاق الذي لن يمكن لأيّ أحد الاعتراض على إجرائه، لكنّ ذلك كله يبقى مرهوناً باستمرار القرار الإيراني بتعطيل انتخاب الرئيس أو بعدم استمراره.

وفي الانتظار، فإنّ الترشيح الدفتري، لكلٍّ من عون وفرنجية مستمر، لكنه سيبقى حتى إشعار آخر مجرّد واجهة لـ»حزب الله» الذي يعطل الانتخابات، كما ستبقى معادلة تعبئة الوقت الضائع بالنسبة إلى جعجع والحريري، اللذين يعرفان أنّ قرار انتخاب الرئيس خرج عن كونه مجرّد توافق داخلي، وبات أسير التوازنات المتغيرة في المنطقة.