في الوقت الذي تبذل فيه القوى الأمنية والعسكرية وخصوصا الجيش جهدا استثنائيا. وبأمكانيات متواضعة لحفظ الأمن والاستقرار في البلد ولأشاعة جو من الأطمئنان. وذلك من خلال الكشف عن خلايا سرية وملاحقة المشتبه بانتمائهم لجماعات إرهابية وإلقاء القبض على متورطين بعمليات تفجير. فإن الأطراف السياسية تتعاطى مع الأحداث الأمنية بقليل من المسؤولية وبمنسوب كبير من المزايدات والمهاترات والاتهامات. وكل طرف من أطراف السلطة الحاكمة يحاول توظيف اي عملية تفجير لخدمة مشروعه ويفتح المجال لأبواقه الإعلامية للتنظير والتحليل مستغلا الحدث للترويج لأيديولوجيته وأفكاره والتسويق لرؤيته التي تخدم ارتباطاته وتحالفاته بعيدا عن أي حسابات وطنية. 

وفي التفجير الأخير في بلدة القاع بدا واضحا التخبط الإعلامي والذهاب بعيدا في تحليل هذا العمل الإجرامي والتوقعات المرعبة لنشاط الجماعات الإرهابية. مما أضفى على البلاد جوا من الهلع والخوف انعكس سلبيا وبشكل حاد على حركة الأسواق في معظم المدن اللبنانية. سيما ونحن على ابواب عيد الفطر. حيث بدت المحال التجارية وعلى مختلف أنواع بضاعتها خالية من أي زبائن تجنبا للتعرض لمخاطر أي عمل إرهابي. 

وبرزت بشكل واسع ظاهرة بث الإشاعات التي تتناول تهديدات إرهابية مزعومة لأماكن مأهولة مترافقا ذلك مع التناقضات في بعض مواقف المسؤولين المعنيين بالملف الأمني من سياسيين وجهات أمنية مع غياب التنسيق وضبط وحدة المعلومات. الأمر الذي بدأ ينذر بعواقب وخيمة قد تصيب البلد على مختلف المستويات وخصوصا لجهة التحضير للموسم السياحي والاصطياف. 

إلا أن الأجهزة الأمنية والعسكرية المعنية بالجانب الأمني تنبهت إلى خطورة هذه المخاوف التي شاعت في الأوساط الشعبية. وبادرت إلى تبريد الأجواء ووضع الأمور في نصابها الواقعي. فاصدرت مديرية التوجيه في قيادة الجيش بيانا توضيحيا جاء فيه /تناقل بعض وسائل الإعلام روايات غير دقيقة عن أحداث أمنية حصلت او ستحصل وبالغ في التحليل والاستنتاج ناسبا مصادرها إلى مراجع أمنية وعسكرية. ودعت إلى توخي الدقة والموضوعية في نشر أي معلومات تتصل بالأمن. كما دعت المواطنين إلى عدم الأخذ بالشائعات وشددت على ان المصدر الوحيد للأدلاء بهذه المعلومات هو قيادة الجيش /. 

وفي سياق متصل فقد أكدت الممثلة الشخصية للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ وخلال لقائها رئيس الوزراء تمام سلام منذ أيام قليلة على استمرار الإرادة الدولية بدعم الجيش اللبناني في مواجهته للإرهاب. ووصفت كاغ المرحلة الحالية بأنها صعبة جدا على لبنان. ولكنها أشادت بأداء الأجهزة الأمنية والعسكرية التي تقوم بدور استثنائي. وذكرت ان القليل من الدول يستطيع تأمين هذا المستوى من الأمن في مواجهة تلك التحديات /. 

وإذا كان لبنان دخل دوامة أمنية خطيرة فإن ذلك يستدعي المزيد من الوعي والقراءة السياسية العميقة لتوحيد الرؤية إزاء أي حدث أمني حتى يتمكن من تجاوز المرحلة حيث تشتعل الحرائق من حوله..