نال الطالب الايراني مجيد مرادي شهادة الدكتوراة من كلية العلوم السياسية في الجامعة اليسوعية في بيروت تحت اشراف الدكتور فيكتور الكك وكان عنوان اطروحته :

"فكر النائيني السياسي وريادته لقيام دولة اسلامية حديثة".
 

وتركّز هذه الأطروحة على دراسة فكر الإمام محمد حسين النائيني السياسي (1860-1936) فيما يتعلق بالدولة الحديثة، وموقعه في تاريخ الفكر السياسي الإيراني والشيعي من خلال متابعة تأثيره على مفكرين آخرين ورصد استمرارية المفاهيم التي طوّرها في تأسيسه النظري للدولة الحديثة.

المنهج المتبع في هذه الدراسة هو الهرمنوطيقا القصدية، وتطبيقا لهذا المنهج، رأى الباحث بأن السياق الواقعي لفكر الإمام النائيني هي الحركة الدستورية الإيرانية التي تمثل بداية تاريخ إيران الحديث. فالانخراط في تلك الحركة التي استهدفت إسقاط الملكية المطلقة المستبدة، جعل النائيني يبرر ويشرعن هذا السلوك بتنظيره للدولة الدستورية.
 

السياق الفكري لفكر النائيني السياسي هو الحداثة السياسية التي تبلورت من خلال النزعة الدستورية القائمة على القانون والدولة والحرية. 
 

ثلاث تيارات تمحورت حول الفكرة الدستورية: تيار الحداثة الذي كان يريد "الدستورية" على النمط الأوربي بمنأى عن الشريعة، بينما التيار الثاني المشهور بالمستبدة كان يعارض الدستورية وكان يعنيها الشريعة ويعتبر أن الشريعة تتنافى مع الدستور، وأن الدولة الاستبدادية خير من الدستورية، والنائيني ينتمي الى التيار الثالث أي الدستوريين ويرى بأن الشريعة لا تتنافى مع الدستورية، بل إنها تتطلب الدستورية وتقتضيها، وقام بالتنظير للدولة الدستورية على أساس الفقه الإسلامي.
 

تمكن النائيني من تطوير مفاهيم من أجل شرعنة الدولة الدستورية في الإسلام، عبر مبادئ كلامية كالتوحيد الذي يفيد بحصر السلطة المطلقة بالله دون سواه، وأن القول بالسلطة المطلقة لأي سلطان غير المعصوم، يساوي الشرك بالله. كما دعا إلى الفصل بين الشؤون الراجعة إلى المجتمع وبين الشؤون الشرعية الراجعة إلى الشريعة، وبين ما نصّت عليه الشريعة وما لم تنص عليه، أي بين الثابت والمتحول. واستخدم النائيني مهارته في علم أصول الفقه (مبدأ العقل) لشرعنة المطالبة بالدولة الدستورية. فإعادة الاعتبار لدور العقل في استنباط الحكم الشرعي، مكّن النائيني من تبرير المفاهيم الحديثة كالقانون والبرلمان والحرية والمواطنة والمساواة، باعتبار إن العقل يحكم بضرورة تبنيها من أجل تقييد السلطة.
 

كما يستعين النائيني بمفهوم العقد الذي يأمر القرآن الكريم، بالوفاء به، لشرعنة الدولة الدستورية، حيث إنها ناتجة عن عقد مجتمعي. ويستنتج بأن السلطة السياسية يجب أن تقتصر على الحد الأدنى مما يُحتفظ به النظام العام، وأن الشعب يحق له التشريع ووضع القوانين فيما يخص الشؤون النوعية، عبر عقد اجتماعي ومن خلال مجلس شورى نيابي يمثل الشعب بجميع أطيافه من المسلمين وغير المسلمين. 
 

وقد نجح النائيني في أدلجة أهم مكونات الدولة الحديثة، إذ استمرت المفاهيم النائينية عبر مفكرين آخرين من أمثال السيد محمود الطالقاني والسيد محمد حسين الطباطبائي والسيد محمد باقر الصدر والشيخ محمد مهدي شمس الدين والشيخ مهدي حائري يزدي، بينما لم يكتب للتيار المعارض للدستورية الاستمرار في تاريخ الفكر السياسي المعاصر.
 

قام الطالقاني بإحياء النائينية عبر التركيز على مفهوم الشورى ومحاربة الاستبداد، وقام الطباطبائي بتطوير النائينية من الدستورية الى الجمهورية وتطوير مفهومي الثابت والمتغير، مركزاً على حق المجتمع في التشريع فيما يتعلق بالمتغيرات، أي الشؤون غير العبادية.

ونجد تأثير النائيني واضحاً على محمد باقر الصدر الذي يترجم مفهوم "غير المنصوصات" الى مفهوم "منطقة الفراغ التشريعي" ما يفتح مجالاً لتبرير التشريع الوضعي من منظور فقهي.
 

وتصل النائينية ذروتها عند محمد مهدي شمس الدين ومهدي حائري يزدي. فشمس الدين ينظر لمقولة ولاية الأمة على نفسها كمرادف للسلطة الولايتية الدستورية عند النائيني. أما الثاني (يزدي) يُنظّر لمقولة حق الملكية لمالكي المشاع الشخصيين، وهي تعبير آخر عن نظرية وقفية الدولة للمواطنين عند النائيني، عندما يشبّه السلطة السياسية بالأراضي الوقفية المغتصبة، يجب العمل من أجل تخفيفها إن لم يعد رفع الغصبية عنها بالكامل، ممكناً.

 

وبناء على ما توصلنا إليه الباحث من النتائج في هذه الأطروحة، يظهر أن إنجاز دراسات وبحوث أخرى في مجال مفهوم العقد وحدوده في الفقه الشيعي وكذلك مفهوم العقل ووظائفه في الاجتهاد الفقهي، تتيح الكشف عن الطاقات الكامنة في التراث الإسلامي الملائمة للحداثة السياسية، إن لم يكن الكشف عن أسبقية التراث الإسلامي في تبني القيم الحداثية في المجال السياسي، كما يقول به النائيني.