يتوقّع متابعون للشأن العراقي أن يدشّن الصراع على السلطة بين أجنحة العائلة السياسية الشيعية، منعطفا جديدا من التصعيد، إثر عودة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى النجف بعد أن أمضى قرابة شهرين في إيران، أجرى خلالهما مراجعات فقهية وعقائدية مع المرجع الديني الإيراني آية الله كاظم الحائري الذي يقلده الصدريون في العراق ويعلنون الولاء لحوزته النشطة في مدينة قم.
وكان الصدر قد بزر كقطب مهمّ في الصراع على السلطة بعد سنوات نجح خلالها غريمه نوري المالكي رئيس الوزراء السابق في سحب الأضواء منه بعد أن هزمه عسكريا في ما يعرف بمعركة “صولة الفرسان” التي خاضتها القوات العراقية سنة 2008 ضد ميليشيا جيش المهدي التابعة للصدر.

وعند اندلاع موجة الغضب الجماهيري في الشارع العراقي انطلاقا من الصيف الماضي، وجد الصدر نفسه في صفّ واحد مع المتظاهرين المطالبين بالإصلاح، في مواجهة الطبقة السياسية الحاكمة والمتهمة بالفساد وبالفشل في إدارة شؤون الدولة، بالمسؤولية عن الأزمة الشاملة التي يعيشها العراق.

وببراعة استطاع الصدر أن يركب موجة الاحتجاج الجماهيري وأن يتحوّل إلى قائد لها. ومع إطلاق معركة استعادة مدينة الفلّوجة من تنظيم داعش تراجعت حدّة الاحتجاجات في الشارع العراقي، لكن المراقبين يتوقّعون تفجّر موجة غضب شعبي أشدّ بفعل استفحال الأزمة واتضاح عجز رئيس الوزراء حيدر العبادي عن الإيفاء بوعوده بالإصلاح.

ويعرف مقتدى الصدر أن محاولة رئيس الوزراء وحزبه، حزب الدعوة الإسلامية وعدد من الأحزاب الشيعية الأخرى الاستثمار في الحرب على تنظيم داعش أمر محدود الأفق، وقصير المدى زمنيا.

وعلى هذا الأساس يبدو زعيم التيار الصدري على أهبة الاستعداد لاستئناف الصراع ضدّ أبناء عائلته السياسية الشيعية الموسّعة.

وقالت مصادر قريبة من التيار الصدري، إن مقتدى الصدر، أنهى فترة اعتكافه في إيران وعاد إلى منزله في منطقة الحنانة بمدينة النجف، مشيرة إلى أنه سيستقبل خلال الأيام القليلة المقبلة عددا من مسؤولي التيار وأعضاء في “كتلة الأحرار” البرلمانية للتباحث معهم في القضايا السياسية الراهنة.

وبحسب مصادر عراقية، فقد خلّفت عودة زعيم التيار الصدري إلى النجف أصداء غير مريحة لدى قيادات حزب الدعوة بزعامة نوري المالكي، كما أحدثت ردود فعل ساخطة في أوساط رئيس الحكومة حيدر العبادي الذي ينتمي لذات الحزب، لخشية الطرفين من تحركات سياسية، واحتجاجات بالشارع، وعد الصدر بإطلاقها عقب عيد الفطر، ودعوته إلى تظاهرة مليونية في بغداد تضغط على الحكومة والكتل السياسية لتسريع إعلان كابينة وزارية جديدة كثر الحديث عنها وعجز رئيس الوزراء عن تشكيلها بفعل الضغوط المسلّطة عليه من قبل الكتل السياسية وعلى رأسها الكتل الشيعية المتوجّسة أكثر من غيرها من التغيير والإصلاح كونها الأكثر استفادة من الوضع القائم.

الصدر يواجه مناورات العبادي السياسية الهادفة إلى كسب الوقت عبر صرف الأنظار باتجاه الحرب على داعش
ونقل عن القيادي في حزب الدعوة حسن السنيد تعليق مقتضب قال فيه لصحافي محلي كان أبلغه بنبأ عودة زعيم التيار الصدري ووصوله إلى النجف “يستر الله.. رجع البلاء”، في إشارة واضحة تعكس حجم الخوف في أوساط الحزب وقياداته من استئناف التظاهرات الصدرية التي اقتحمت المنطقة الخضراء مرتين ووصلت إلى مقري مجلس النواب والحكومة وأشاعت جوا من الفزع في صفوف النواب والوزراء وقادة الكتل الذين تتوزع مكاتبهم ومنازلهم في المنطقة المذكورة.

ويخشى رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي، بدوره من عودة الصدر إلى العراق في هذا الوقت بالذات، بعد أن فشل في تنفيذ حزمة من الإصلاحات كان قد وعد بتحقيقها قبل ثمانية أشهر من ضمنها تشكيل حكومة تكنوقراط غير مسيسة.

ومما فاقم مخاوف العبادي من عودة الصدر أنها جاءت متزامنة مع قرار المحكمة الاتحادية الذي ألغى تعيين خمسة وزراء من ضمنهم وزير الكهرباء علاء دشر الذي كان التيار الصدري قد رشحه في وقت سابق.

ورغم أن العبادي يسعى إلى تسويق الانتصارات العسكرية على تنظيم داعش في الفلوجة باعتبارها أولوية تتقدم على تشكيل كابينة وزارية جديدة، إلا أن مقتدى الصدر بدا غير مستعد للاستسلام لمناورات العبادي السياسية الهادفة إلى كسب الوقت والاحتفاظ بوزراء لا يرغب في استبعادهم.

وقد استبق الصدر الأحداث وأعلن الأسبوع الماضي من إيران أن الصدريين سينضمون إلى المطالبين بإقالة الرئاسات الثلاث، في تحد وصفه مراقبون سياسيون في حديث لوكالة العباسية نيوز بأنه سقف عال من المطالب سيثير متاعب جديدة ليس لرئيس الحكومة القلق على مستقبل منصبه فحسب، وإنما لرئيس مجلس النواب سليم الجبوري، الذي أسعفه قرار المحكمة الاتحادية بالاستمرار بموقعه المهتز أصلا.

وكان الصدر قد قرّر في أبريل الماضي تجميد عضوية كتلة الأحرار في مجلس النواب والتي تمتلك 34 مقعدا من مقاعد البرلمان البالغ عددها الإجمالي 328 مقعدا.

وتسبب قراره في عدم تمكن جبهة الإصلاح التي تضم نحو 100 نائب من المعارضين للحكومة، من حشد عدد أصوات النواب اللازم للتصويت على إقالة الرئاسات الثلاث.

وردّا على مطالبة الصدر باستقالة الحكومة اعتبر عبود العيساوي القيادي في ائتلاف دولة القانون الحاكم الذي ينتمي إليه حيدر العبادي، توقيت تلك المطالبة “غير مناسب، في ظل الظروف الأمنية والاقتصادية التي تمر بها البلاد”، قائلا إنّ “الوقت لا يسمح بالمزيد من التأجيج والإحراجات للوضع السياسي، فالبلاد تمر بظروف أمنية تتعلق بمعركة متواصلة ضدّ تنظيم داعش، ويفترض أن تنصبّ جميع جهود القوى السياسية في حشد الجهود الأمنية لمعركة نينوى القادمة”.


العرب