التفجيرات الإرهابية التي ضربت بلدة القاع مطلع الأسبوع الحالي وذهب ضحيتها خمسة من الأهالي وعشرات الجرحى مدنيين وعسكريين لا يمكن فصلها عما يجري في المنطقة وهي إحدى تداعيات تضافر القوى الدولية في حربها على الجماعات الإرهابية في كل من سوريا والعراق حيث استطاعت القوات المسلحة العراقية ان تحكم السيطرة على الفلوجة بعد تحريرها من تنظيم داعش والإعلان عن هدفها القادم وهو الموصل، وكذلك فقد تم تضييق الخناق على داعش في منطقة الرقة السورية وفي باقي المناطق التي تخضع لسيطرة هذا التنظيم الإرهابي. 


وتتوقع معظم الأجهزة الدولية والإقليمية الأمنية ومن بينها الأجهزة اللبنانية بأنه وبعد إحكام الحصار العسكري الدولي على مناطق سيطرة داعش في كل من سوريا والعراق وتهديده بهزائم محققة، أن يبادر هذا التنظيم إلى إشعال حروب إرهابية واسعة في كل الاتجاهات المتاحة، وقد بدأ ذلك عمليا بالدول القريبة والمحيطة بسوريا عبر عمليات تفجير على الحدود الأردنية السورية.

ثم طالت المنطقة الحدودية بين لبنان وسوريا في بلدة القاع. لتحط رحالها في تركيا وتحديدا في مطار إسطنبول حيث طالته هجمات انتحارية مرعبة مساء الثلاثاء الماضي أسفرت عن حصيلة دامية من الضحايا فاقت الأربعين قتيلا وعشرات الجرحى.

ما يعني ان التهديدات الإرهابية للبنان هي إحدى التداعيات الخطرة للتطورات الميدانية والدبلوماسية الدولية والإقليمية المتصلة بواقع الحرب السورية على وجه الخصوص، والتي تأتي ضمن خط بياني دموي ارتسم في الأسابيع الأخيرة بدت معه الدول المحيطة بسوريا وذات الحدود المشتركة معها الهدف المباشر والأول لهذه الموجات الإرهابية، وبأنماط جديدة ومتطورة وشديدة الخطورة والشراسة والعنف الإجرامي. 


والخطورة لا تكمن فقط في هذا الاستهداف الإرهابي للواقع اللبناني المأزوم، بل أن الخطر الأكبر ناتج عن عدم وجود خطة متكاملة لمواجهة هذه التهديدات الداهمة، وبالتالي ناتج عن عدم امتلاك لبنان رؤية موحدة موضوعية في تعامله مع المعطيات التي أعلنها مجلس الوزراء نفسه في جلسته التي انعقدت غداة يوم تفجيرات القاع. والتي بدت في الواقع توصيفا دقيقا للأخطار التي تتهدد الساحة الداخلية اللبنانية.  


وإذا كانت الحكومة استطاعت ان تتعالى عن الحسابات الضيقة وتنأى عن الاختلافات بين مكوناتها في لحظة فرضت عليها المبادرة إلى تحمل مسؤولياتها الوطنية أمام خطورة الأجواء التي تحيط بالوضع اللبناني بأظهار الحقيقة كما هي دون مواربة.

إلا أن ذلك يدعو للتساؤل عما تمتلكه هذه الحكومة من عناصر القوة لمواجهة المخاطر التي حذرت منها، سيما وأن هناك خلافات عميقة بين كافة مكوناتها حول الكثير من القضايا وأهمها الربط بين مشاركة حزب الله في الحرب السورية ووجود الجماعات الإرهابية على الأراضي اللبنانية. 


وإذا كان الرهان كبيرا على المظلة الدولية التي تحمي الاستقرار اللبناني. لكن ذلك لا ينفي الخشية من القصور الداخلي عن تطوير وسائل الحماية السياسية لهذا الإستقرار، والكف عن المزايدات والاتهامات .

إذ ان المطلوب في هذه اللحظة الحرجة المزيد من الالتفاف حول المؤسسة العسكرية وهي المؤسسة الشرعية الوحيدة التي تشكل العمود الفقري للاستقرار الأمني في البلد مع الحفاظ على القطاع المصرفي الذي يشكل الحماية المتبقية لاقتصاده.