شيء من الدول والمنظومات السياسية والفكرية والثقافية يتغير. كأن أعمال الدول والنظم التي حددت أطرها، خلقت لتعيش مئة عام لا أكثر. مئة عام على الحرب العالمية الأولى، أسست لدول جديدة وحدود مستحدثة، ها هي اليوم تسقط، في الشرق كما في الغرب، وإن كانت حدود المنطقة العربية تمسح بالدم، فأوروبا تتغير بحبر التصويت والإستفتاءات.

منذ أيام، ينشغل النائب وليد جنبلاط بمصير أوروبا. لا يخفى حجم قلقه مما هو مقبل. في الذكرى المئوية لسايكس بيكو، كان أول المتشائمين، معلناً سقوط الإتفاقية والدول التي نشأت بموجبها. والآن، نظرة تشاؤمية جديدة لديه، حيال تصويت البريطانيين على الخروج من الاتحاد الاوروبي.

يقرأ بنهم، ويتابع أدق التفاصيل عن الخطوة البريطانية، يحاول استشراف تداعياتها، على الاتحاد الأوروبي، والمنظومة العالمية، وعلى الشرق الأوسط، المأخوذ في صراع عشائري، قبلي، طائفي ومذهبي. المرحلة دقيقة ومفصلية بحسب ما يقول جنبلاط لـ”المدن”، لافتاً إلى ان ما يجري “يدخلنا في إعادة النظر بوحدة أوروبا، فالحدث المهم، لا يقتصر على بريطانيا، إنما يحدد مصير أوروبا، والعالم.

يعتبر جنبلاط أن ما جرى هو نكسة كبرى لمشروع سياسي كبير بدأ بناؤه في الخمسينيات، في أعقاب الحرب العالمية الثانية. نشأ الاتحاد برؤية إستشرافية لقادة كبار، من بينهم شارل ديغول، وذلك لتجاوز الحرب وبناء أوروبا الجديدة، القائمة على أساس التعاون الإقتصادي. اليوم، كل ذلك يتداعى، خصوصاً في ضوء تنامي الأصوات القومية والإنعزالية.

الأمور لن تتوقف عند هذا الحدّ، وفق جنبلاط، بل “سنرى لاحقاً المزد من التفتت”. ولكن، ماذا عن إنعكاس “التفتت” الأوروبي على الدول العربية؟ يجيب جنبلاط، أننا “ننتفتت من الداخل، بعد مئة عام على سايكس بيكو. أما أوروبا بعد مئة عام على الحرب العالمية الأولى تسير نحو المجهول.

لدى سؤاله عن الوضع في لبنان، وأوضاعه وإلى أين تتجه الأمور، وإذا ما كان هناك من حلول في الأفق، يتردد ويقول: “لم أسمع أن ثمة شيئاً جدياً أو جديداً في لبنان.” الدوامة نفسها، والأزمة مستمرة، “نقف على الهامش متفرجين، وننتظر ما سيجري بدون أدنى حركة أو مبادرة أو تقديم أي طرح جديد. نتلهى غير عالمين بما يجري حولنا”.

ماذا عن سوريا، والمنطقة بأسرها؟ يعود سريعاً إلى أوروبا، همّي الأساسي الآن هو أوروبا ومصيرها. ثمة شيء من البكاء على الأطلال في لغة جنبلاط، إذ يقول: “ما يشغلني وأفكر فيه، هو المشروع الذي كان مثالياً لدى تأسيس الاتحاد الأوروبي، والذي بني على أفق مفتوحة على إيجابيات متعددة، فتح الحدود، والدول أمام الناس، التعاون الإقتصادي المشترك، وتعزيز التعاون الإنتاجي. هذه كلها الآن قد تسقط. والمؤلم أكثر، أنها تسقط بعد سقوط ما حلمنا به طوال سنوات مديدة، حول إمكانية إسقاط التجربة الأوروبية على الدول العربية. اليوم كل شيء ينهار”.

إلا أن الوضع في سوريا يحتّم السؤال عنها، وعما يجري هناك، يرفض جنبلاط الدخول في التفاصيل: “الحرب مستمرة بلا هوادة، وعلى ما يبدو أنها طويلة بدون أفق. وفي وقت يستمرّ التقاتل القبائلي والعشائري في دولنا، أوروبا أيضاً تعود إلى حقبة ما قبل الحربين العالميتين الأولى والثانية، وهي تعود إلى منطق القوميات. هناك إمكانية للعودة إلى لغة التقاتل والحروب. الخطوة البريطانية، قد تهدد السلم العالمي.

 (المدن)