لبنان شبيه بكل الدول والمجتمعات من حيث أنه يواجه تحديات يومية على المستويات كافة , وهذا التحدي يضع الانسان أمام مسؤولية المواجهة , وهكذا  المسيرة البشرية في الحياة خاضعة لإرادة الطبيعة من جهة ومن جهة ثانية لإرادة الانسان , والانسان هو الاكثر تأثيرا في طبيعة مسيرته لأنه يتميز بالوعي  ويؤثر فيها مباشرة  وهو المسؤول أولا عن مواجهة التحديات التي تعترض كل مجتمع مهما كانت درجته من التقدم والتحضر , أما إرادة الطبيعة فليس له أمامها حولا ولا قوة لأنها محكومة للحتميات الاجتماعية والتاريخية  .

ولكل مجتمع تحدياته الخاصة به , لأن لكل مجتمع حاجيات تختلف عن حاجيات المجتمعات الاخرى , ولكن ثمة حاجيات مشتركة للنوع الانساني يشترك فيها الانسان بما هو إنسان , ويطلبها أينما كان وفي اي مكان كان , منها  الكرامة والحرية والعدالة , هذه مشتركات إنسانية , لا يكون الانسان بفقدها سعيدا , بل يكون في حالة شقاء وبالتالي تؤثر على مسار حياته اليومية بشكل سلبي واضح .

أنواع التحديات وآثارها :

لقد قسم المفكر والفيلسوف " توينبي " التحديات الى قسمين , الاولى خارجية والثانية داخلية , وقال إن وظيفة الانسان هي التغلب على هذه التحديات لتحصين مجتمعه , واعتبر التحديات الداخلية أخطر من الخارجية , لأن التغلب على الثانية  أي الخارجية  هو سبب التأسيس والنشوء , وأما الداخلية فهي علة البقاء والاستمرار , وبها قوام المجتمعات والدول , وبقدر الانتصار والتغلب عليها يكون حظ المجتمعات أكبر في التماسك وعدم الانهيار .

لو أردنا أن نطبق نظرية " توينبي " على المجتمع اللبناني , لتحصّل معنا أن سبب الانهيار الذي نعيشه اليوم , أو سبب الهزيمة التي تسيطر على مشاعر الكثير من الشعب اللبناني هو أننا أخفقنا في مواجهة التحديات الداخلية , بعد التغلب على الخارجية منها  , هذا التغلب أرخى حالة من النشوة التي زرعت الوهم في رؤوس القيادات , واعتبرت نفسها في إنتصار دائم , فأهملت التحديات الداخلية التي بدورها أرخت بضغطها على الناس وعلى المؤسسات , وإنصرفت القيادات إلى الصراع على السلطة وعلى المغانم , مما أدى إلى تحوّل هذه القيادات إلى نخبة مستبدة لا هم لها سوى السلطة , على شعب فقير يبحث عن حلول ولو من الخارج كيفما كان , ووضعت هذه النخبة المجتمع بكامله فريسة لأطماع الخارج , وهي تعيش في وهم الانتصارات , وتغدِق بالوعود على الناس , والناس ترقص فرحا على وقع تلك الوعود الوهمية , والبلد كله على صفيحٍ ساخن , لا يدري أحد متى ينفجر , بالقيادات وبالراقصين .