يحمل إعلان خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس عدم ترشّحه لزعامة الحركة في الانتخابات الداخلية المقبلة بذور خلاف جذري قد يقود إلى تطوّرها نحو مرحلة الانشقاق، بعدما نجحت الحركة في السابق في كتم خلافاتها والحؤول دون الانقسام الكبير.

وقبل اندلاع “الربيع العربي” رصد مراقبون كثر تبايناً ما بين قيادة حماس في الخارج، خصوصا في دمشق، والقيادة الداخلية التي تدير شؤون الحركة في غزة.

لكن الانقسام بات يدور اليوم حول العلاقة مع إيران، إذ تسعى قيادات الداخل، خصوصا عضو المكتب السياسي محمود الزهار وقائد كتائب القسام محمد ضيف، علنا لرأب الصدع مع طهران، وتعتبرها الداعم الحقيقي لـ”المقاومة الفلسطينية”.

وفي المقابل خسرت قيادة الخارج العلاقات مع طهران منذ غادر مشعل وبعض قيادات الصفّ الأول في الحركة دمشق، والتحقوا بالمد الإخواني الذي تصاعد بعد عام 2011، والذي أدى إلى قطيعة مع النظام السوري.

واعتبر مراقبون أن انتقال مشعل، من دمشق إلى الدوحة، مثّل حالة تنافس بين قطر وإيران على خطب ودّ الحركة.

ولم تتطلع قطر عبر احتضان مشعل لتحدي النفوذ الإيراني في الميدان الفلسطيني، بقدر ما كانت تعمل على تعزيز علاقاتها مع كافة الجماعات الإخوانية، بحيث يتمدد النفوذ القطري في مصر إبّان رئاسة محمد مرسي باتجاه قطاع غزة، في إطار أجندة كانت تعمل على تعميم الحالة الإخوانية على كافة ميادين المنطقة.

وإذا ما استمر حكم مرسي، الذي أطيح به في يوليو 2013، في مصر، فإن الحركة لم تكن لتشكو من الانقسام الداخلي الراهن، بحسب متابعين لشؤون حماس.

وقالوا إن سقوط الإخوان في مصر أعاد الجدل إلى صفوف الحركة ما بين العقائديين الذين ما زالوا مشدودين إلى طموحات كانت ترعاها الدوحة وأنقرة، والعقائديين الذين ما زالوا مشدودين إلى المشروع الإيراني في المنطقة والمرتبطين بعلاقات لوجيستية مع حزب الله، وتيار براغماتي ثالث يحاول تثبيت حضور وسطي يدعو إلى الواقعية والاعتراف بالمستجدات ويدفع باتجاه ترميم العلاقة مع القاهرة.

وأظهر انتخاب بعض المؤسسات القيادية في السنوات الماضية عمق الانشقاق داخل الحركة، وهو ما أدّى إلى تأخير إجراء أيّ انتخابات لأعضاء المكتب السياسي تلافياً لانشقاق قد يلحق بالحركة وقد ينتهي بها إلى أكثر من قسمين.

وسيؤشر الالتقاء حول اسم خليفة مشعل على رأس الحركة إلى طبيعة الخيارات المقبلة.

ويعتقد مراقبون أنه لا يوجد توجه محسوم داخل الحركة لنقل القيادة التي لطالما كانت سابقا بيد من هم في الخارج، إلى داخل قطاع غزة، رغم ارتفاع حظوظ رئيس الحكومة السابق إسماعيل هنيّة، الذي يمثّل نقطة تقاطع يرضى بها الداخل، ويعبر عن وجه معتــدل تجاه ملف العلاقة مع القاهرة.

لكن الأنظار توجّه أيضاً إلى موسى أبو مرزوق، الذي يشغل حالياً منصب نائب رئيس الحركة بما لا يشكل قطيعة مع زعامة مشعل.

ومرزوق أحد عرابي العلاقة بين حركة حماس ومصر، ويعد أحد قياديي الحركة القلائل الذين يتنقلون ما بين الخارج وقطاع غزة بموافقة مصرية إسرائيلية.

لكن مصادر أخرى ترى أن الجناح المؤيد لإيران لن يرتاح لأبو مرزوق بسبب ما سربته أوساط إعلامية قريبة من إيران من أن المخابرات اللبنانية سجلّت له مكالمة هاتفية يهاجم فيها إيران واصفاً مساعداتها بالـ”الكذبة الكبيرة”.

وترى مصادر دبلوماسية فلسطينية أن الصراع داخل حماس هو صورة مصغرة للصراع الإقليمي ضد إيران. وتقول المصادر إنه قد سحب من قطر العديد من الملفات المهمة، وبقي الملف الفلسطيني في إطار المناكفة ضد الدور المصري.

وتكشف هذه المصادر أن لإيران خطّا مباشرا مع قيادات كتائب القسام في غزة، فيما يتداخل الدور القطري والسعودي والتركي في ترتيب مرتبك للبيت الداخلي الحمساوي، خصوصا أن الرياض تلعب ببراغماتية وتأخذ مسافة بين القاهرة من جهة وأنقرة والدوحة من جهة ثانية.

العرب