من المسلّمات البديهية لدى كافة الإلهيين، من مسلمين أو غيرهم، أن الحساب يوم القيامة لا يكون جزافاً، وإنما يرتكز على جملة أسس، أهمها: ركيزة العقل، فمن يفتقد إلى نعمة العقل لا يحاسب ولا يعاقب، بل إن مؤاخذته ومعاقبته والحال هذه عمل قبيح لا تصدر من الحكيم، لأنها مؤاخذة إنسان لم تتم إقامة الحجة عليه، لأنه إنما يحتج على العاقل، أما مع فقد العقل فلا مجال للاحتجاج والإدانة.
والناس لجهة امتلاكها نعمة العقل أو عدم امتلاكها، على أصناف:


كاملو العقل:


الصنف الأول: هم أولئك الذين زوّدهم الله بالقدرات العقلية الكاملة والكافية لإدراك الحقائق وفهم الأشياء وتمييز الخير من الشر والحق من الباطل، وهؤلاء على اختلاف درجاتهم وتعدد مراتبهم ـ فإن منهم الذكي ومنهم العبقري ومنهم متوسطو الذكاء ـ هم الذين كرّمهم الله بالخطابات الشرعية وحمّلهم المسؤولية وعرض عليهم الأمانة، وتالياً فهم المحاسبون وهم المثابون والمعاقبون يوم الدينونة والعرض على رب العالمين.


فاقدو العقل:


الصنف الثاني: هم الذين يفتقدون ـ لسبب أو لآخر ـ نعمة العقل بالكلية، وهم المجانين، وهذا الصنف ليس أهلاً لتحمل المسؤولية ولا لوعي الحقائق الدينية، ولذا فإن قلم التشريع مرفوع عنه، بإجماع المسلمين، بل بإجماع كافة العقلاء من بني الإنسان، وفي الحديث عن الإمام الباقر(ع) قال:"لما خلق الله العقل استنطقه، ثم قال له: أقبلْ فأقبل، ثم قال له أدبر فأدبر، ثم قال: وعزتي وجلالي، ما خلقت خلقاً هو أحبّ إليّ منك، ولا أكملتك إلا فيمن أحب، أما إني إياك آمر وإياك أنهى، وإياك أعاقب وإياك أثيب" [الكافي، ج1، ص10]. وكما لا يكون فاقد العقل مكلفاً بالأحكام الشرعية، فإنه أيضاً ليس مكلفاً بالإيمان بالعقائد الحقة، لأنه لا يعي تلك العقائد ولا يفهمها حتى لو تمّ تلقينه كلماتها ورددها، فهو إنما يردد بلسانه ما لا يعيه بجنانه.


وفي ضوء ذلك، فإن السؤال الذي يفرض نفسه أنه ما هو المصير الأخروي لفاقدي العقل؟ أيدخلون الجنة مع الداخلين؟ أم أنهم كما لا يدخلون النار، فهم أيضاً لا يدخلون الجنة؟ وإنما لهم مصير آخر؟
لا يخفى أن الذي يحكم به العقل هو قبح إدانتهم ومعاقبتهم، وهذا ما ينصّ عليه الوحي أيضاً، وبالتوجه والالتفات إلى أن مصير الإنسان الأخروي بين أمرين لا ثالث لهما، وهما: الجنة والنار، فيتعين ـ مع استبعاد خيار النار ـ أن يكون مصير فاقدي العقل هو الجنة.


لكن ربما يقال: إنّ دخول الجنة يكون على أساس العقل، كما أن دخول النار يكون على هذا الأساس أيضاً، وهو ما أوحت به الرواية المتقدمة في قوله(ع): "وإياك أعاقِب وإياك أثيب"، وفي ضوء ذلك، فإنّ فاقد العقل كما لا يدخل النار فإنه لا يستحق دخول الجنة أيضاً، فإن سألت: إذن ما الذي يمكن أن يفعله به الله سبحانه بعد استبعاد وجود محطة دائمة يوم القيامة غير الجنة والنار، كان الجواب: إن هناك مخرجاً معيناً يبرر إدخال فاقد العقل الجنة أو النار، وهو ما ورد في النصوص الواردة عن الأئمة من أهل البيت(ع)، والتي تفيد أن الله سبحانه يكلّف المجنون ـ ولا بد أن نفترض أنه يكلفه بعد أن يزوده بنعمة العقل ـ بدخول نار يؤججها بغرض اختباره، فإن استجاب وأطاع، كانت تلك النار عليه برداً وسلاماً فيدخله الله الجنة، وإن عصى ولم يدخلها أدخله الله النار، ففي الحديث عن أبي جعفر الباقر(ع) قال:"إذا كان يوم القيامة احتج الله عز وجل على سبعة: على الطفل، والذي مات بين النبيين، والشيخ الكبير الذي أدرك النبي(ص) وهو لا يعقل، والأبله، والمجنون الذي لا يعقل، والأصم، والأبكم، كل واحد منهم يحتج على الله عز وجل، قال: فيبعث الله عز وجل إليهم رسولاً فيؤجج لهم ناراً ويقول: إن ربكم يأمركم أن تثبوا فيها، فمن وثبت فيها كانت عليه برداً وسلاماً، ومن عصى سيق إلى النار" [الخصال للشيخ الصدوق، ص:283]. هذا ما يمكن أن يقال حول مصير فاقدي العقل.


ونلاحظ على ذلك:


 إن إدخال فاقد العقل الجنة ليس لاستحقاقه على الله ذلك، وإنما هو تفضل من الله سبحانه، ونحن إنما نرجح خيار إدخاله إلى الجنان لأنه بعد استبعاد خيار العقوبة، فلا يبقى سوى دخول الجنة، أما الخيار الثالث المطروح في الروايات بشأن تكليفه يوم القيامة بدخول نار معينة مقدمة لتحديد مصيره فهو غير تام، لأن هناك أكثر من ملاحظة على ذلك، وقد أوردناها في مقال سابق في الحديث عن مصير الأطفال الأخروي. فراجع.


ضعفاء العقول:


الصنف الثالث: هم أولئك الأشخاص الذين يمتلكون قدرات عقلية متواضعة، فلا هم فاقدو العقل كليةً، كما هو الحال في الصنف الثاني، ولا أنهم يمتلكون نضجاً عقلياً كاملاً كما هو الحال في الصنف الأول، بل هم في منزلة متوسطة، باختصار: هم ضعفاء العقول، والضعف العقلي له مستويات متعددة ومتفاوتة، بعضها يلامس حدّ الجنون، وبعضها يلامس حد اكتمال العقل، وبعضها منزلة بين المنزلتين.


 وقبل أن ندخل في تحديد هذه المستويات بالتفصيل، يمكننا أن نقول على نحو العموم في بيان الموقف من هذا الصنف: إن الحساب الأخروي بما أنه يرتكز ـ كما أسلفنا ـ على العقل كأساسٍ في الثواب والعقاب، فإن الضعف العقلي إن كان لا يمنع من وعي الحقائق الدينية وتفهم معنى التكليف الشرعي فتصح المؤاخذة حينئذٍ على عدم الإيمان بالمعتقدات أو عدم امتثال التكاليف، على سبيل المثال، فإنّ عقيدة الإيمان بالله سبحانه، هي قضية فطرية يمكن أن يدركه من كان له أدنى حظ من العقل والوعي، فلو جحد هذا الشخص الخالق أو تمرد عليه فتصح معاقبته، وأما إذا بلغ الخلل العقلي حداً لا يمكنه معه وعي الحقائق الدينية ولا تفهّم معنى التكليف الشرعي، فلا تصح مؤاخذته والحال هذه، وبما أن المحاسب هو الله، المطلع على السرائر، فهو يميز من قامت عليه الحجة ممن لم تقم عليه، ولا يمكن أن تلتبس عليه الأمور.


هذا ما نقوله عموماً، ومع ذلك فلا بد لنا أن ندخل في بيان مستويات الخلل العقلي لمزيد من التبصّر.


البُلهاء:


المستوى الأول: أن يصل الضعف المذكور إلى حدّ البلاهة، وهو المستوى الأعلى من الضعف أو الخلل العقلي، وقد يصطلح على صاحبه بالأبله، والبله ليس جنوناً، لأن الجنون فقد العقل، أما البله فهو ـ كما قلنا ـ ضعف العقل، كما يستفاد من بعض الروايات [تهذيب الأحكام، ج9، ص:182]، ويشهد للمغايرة بين الأبله والمجنون الرواية المتقدمة، فإنها عطفت أحدهما على الآخر، والعطف يقتضي المغايرة.
والذي يمكن قوله بشأن المصير الأخروي للأبله:


 إنه ملحق بفاقد العقل بالكلية، إن لجهة سقوط التكاليف الشرعية عنه، فإن تكليفه مع كونه لا يفهم ولا يعي معنى التكليف، هو تكليف بما لا يُطاق، أو لجهة قبح معاقبته يوم الحساب، لأن ضعف عقله بلغ حداً ألحقه بالمجنون، بل ربما أطلق عليه أنه مجنون في بعض الأحيان.

 

البسطاء والسُّذج:

 

أمّا المستوى الثاني: أن لا يبلغ الضعف العقلي المذكور حدّ الجنون ولا البلاهة، وإنما يبلغ حدّ السذاجة أو السفاهة، وهذه السذاجة قد تكون ناشئة عن حالة مرضية تعبّر عن عدم اكتمال ملكة العقل لدى الإنسان، وقد لا تكون كذلك، أي لا يكون هناك ضعف في الطاقة العقلية ذاتها، إلا أن هذه الطاقة حيث لا تتم تنميتها بالتأمل أو التدبر أو التعلم أو بالاحتكاك الاجتماعي فإنّ صاحبها سيكون ساذجاً بسيطاً قليل الخبرة متواضعاً في إمكاناته العقلية لا يستطيع محاكمة المذاهب ولا يحسن الاختيار بينها، بل  يتقبل ويرتضي كل ما يعرض عليه من أفكار، فاعتقاده قائم على التقليد وإتباع الآباء لا على الاجتهاد والتدبر.

 

وهذا الصنف من الناس يصطلح عليه في القاموس الفقهي بالسفيه، ويصطلح عليه في القاموس الكلامي بالمستضعف، وكلا المصطلحين ـ أعني السفيه والمستضعف ـ واردان في القرآن الكريم والسنة النبوية، وهناك حديث مستفيض عنهما في علمي الفقه والكلام.

 

السفيه:

 

أما فيما يرتبط بالنظرة التشريعية إزاء السفيه فقد أسهب الفقه الإسلامي في الحديث عنها، وخلاصة ما نستفيده من النصوص التشريعية: أن السفاهة ليست في مقابل العقل ولا تساوي الجنون وإنما تقابل الرشد، ولذا فهي لا تمنع من توجيه الخطاب بالتكاليف الشرعية إلى السفيه، بخلاف الجنون، فإنه رافع لقلم التشريع عن المجنون، أجل إن السفاهة تقتضي الحَجْر على السفيه ومنعه من الاستقلال بالتصرفات المالية، فلا بدّ أن تكون تصرفاته المالية بإشراف الولي، قال تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم}(النساء:6)، ولا نريد هنا الإسهاب في هذا الموضوع، وإنما نشير إلى أنّ لنا ملاحظة على ربط الرشد بإصلاح خصوص المال، مع أنه مفهوم أعمق وأشمل من ذلك فهو يعبر عن نضح وخبرة بالحياة تظهر نتائجها في حسن إدارة المال أو غيره(راجع: حقوق الطفل في الإسلام ص32).

 

المستضعف:

 

أما في النظرة الكلامية إلى المستضعف من زاوية الحساب الأخروي فقد يسهل القول: إن الله سبحانه أدرى بملكاته العقلية ومدى وعيه للحقائق الدينية بما يُمكِّن من إقامة الحجة عليه وتالياً حسن إدانته أو قبحها، إلاّ أن النصوص الإسلامية قد أسهبت في الحديث عن المستضعف ومصيره الأخروي، وأول ما يواجهنا على هذا الصعيد النص الأم وهو النص القرآني، قال تعالى: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصير إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواً غفوراً}(النساء:97ـ98)، حيث نلاحظ أنه تعالى قد استثنى المستضعفين من أهل الوعيد الذين يشملهم العذاب الإلهي.

 

والسؤال: ما معنى الاستضعاف؟ ومن هم المستضعفون؟

 

والجواب: إنّ للاستضعاف أكثر من بُعد، فهناك الاستضعاف السياسي، وهناك الاستضعاف الاقتصادي، وهناك الاستضعاف الديني والثقافي، إلاّ أن الآية عرّفت المستضعفين المذكورين فيها بأنهم الذين "لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً"، وقد ذكر في تفسير ذلك: أنهم الذين لا يستطيعون حيلة للهجرة لفقرهم وعجزهم وقلة معرفتهم بالطرق"(جوامع الجامع 1/33، تفسير الفخر الرازي11/13)، ويؤيد ذلك قوله تعالى: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً}(النساء:57).

 

 إلاّ أن روايات الأئمة من أهل البيت(ع) أعطت الاستضعاف معنى آخر جعلته أقرب إلى الاستضعاف العقلي والثقافي والديني، ففي الحديث الصحيح عن الإمام الباقر(ع) قال: سألته عن قول الله عز وجل: "إلاّ المستضعفين من الرجال والنساء والولدان" فقال: هو الذي لا يستطيع الكفر فيكفر، ولا يهتدي سبيل الإيمان فيؤمن، والصبيان ومن كان من الرجال والنساء على مثل عقول الصبيان مرفوع عنهم القلم"(معاني الأخبار ص201). وتؤكد روايات أخرى على أن من عرف اختلاف الناس فليس بمستضعف(الكافي 2/405 ـ 406) في إشارة واضحة إلى ربط الاستضعاف بالمستوى الثقافي والعقلي.

 

ويمكن أن نرجِّح شمول الآية لكلا النوعين من الاستضعاف، أعني الاستضعاف الناشئ عن ضعف القدرات المالية أو الجسدية كما ذكر المفسرون، والاستضعاف الناشئ عن ضعف في المستوى الثقافي والعقلي لدى الشخص كما نصّت الرواية، ويشهد لذلك أن إحدى فئات المستضعفين المستثنيين من العذاب هم الولدان، ومن الواضح أن ضعف هؤلاء ليس جسدياً، وإنما هو ضعف في المستوى المعرفي والثقافي، وعليه يكون ما ذكرته الروايات في معنى الاستضعاف هو من قبيل التفسير بالمصداق.

 

وبنظرة أعمق يمكن القول: إنّ مرجع المعنيين إلى معنى واحد وهو الأساس في الاستثناء، وهذا المعنى هو ما ذكرته الروايات، وذلك لأن الهجرة التي ندّدت الآيات بمن يتخلّف عنها هي المدخل الأساسي والسبيل الوحيد في زمن البعثة النبوية إلى التعرف على الإسلام والعقائد الحقة وإقامة الشعائر والواجبات الدينية، بينما التخلف عن الهجرة سيعني الانقطاع عن مصدر المعرفة وبقاء المرء في مستنقع الجهل، ومن هنا جاء تحريم التعرب بعد الهجرة، وعليه فإنّ القادر على الهجرة لكنه مع ذلك لا يهاجر يعتبر مداناً ويستحق المؤاخذة ولا يُقبل عذره أو دعواه الاستضعاف، لأنه بترك الهجرة قد سدّ على نفسه باب المعرفة الدينية واختار الكفر على الإيمان والظلمة على النور "قالوا كنا مستضعفين قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها"، أما العاجر عن الهجرة لضعف في قدراته الجسدية أو إمكاناته المالية فإنّ عجزه هذا حتى لو أدّى إلى انسداد باب المعرفة الدينية عليه يمنحه عذراً تقبح معه مؤاخذته، لأنّ الحجة غير قائمة عليه.

 

العفو بين الحتم والرجاء:

 

هذا ولكن الآية الشريفة المتقدمة لم تحسم موضوع العفو عن المستضعف، وإنما عبّرت بجملة "عسى الله أن يعفو عنهم"، وعسى تفيد الإطماع، فكيف ذلك والحال أن هؤلاء بسبب عجزهم فقد سقط عنهم التكليف بالهجرة؟!

 

وقد ذكر جوابان على ذلك:

 

الأول: إن الفائدة من التعبير بـ "عسى" هي للدلالة على أنّ ترك الهجرة أمر مضيّق لا توسعه فيه، لدرجة أنّ المضطر البيّن الاضطرار إذا قيل في شأنه: "عسى أن يتوب الله عليه" فكيف الحال في غيره! (الكشّاف للزفخشري 1/557).

 

الثاني: إن الإنسان لشدة تعلقه بالوطن وكرهه لمفارقته ربّما ظن نفسه عاجزاً عن الهجرة مع أنه قادر، لذا جاء التعبير بكلمة "عسى" لا بما يدل على القطع(تفسير الفخر الرازي 11/13).

 

مراتب الاستضعاف:

 

اتضح أن للاستضعاف عدة مراتب وأبعاد، ويهمني الآن التركيز على مراتب الاستضعاف الديني ومصاديقه لصلته ببحثنا، من هذه المراتب:

 

ان الاستضعاف كما يقع في الدائرة الدينية الواسعة فيعجز الإنسان عن الوصول إلى حقائق الدين، فإنه قد يقع في دائرة المذاهب، فيعجز الإنسان عن التعرف على الحقائق في هذه الدائرة، وكما أن الأول معذور، فإن هذا معذور بالأولوية، وفي الحديث عن أبي عبد الله(ع) في قول الله عز وجل :{إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا} فقال:" لا يستطيعون حيلة إلى النصب فينصبون، ولا يهتدون إلى سبيل أهل الحق فيدخلون فيه، وهؤلاء يدخلون الجنة بأعمال حسنة وباجتناب المحارم التي نهى الله عز وجل عنها، ولا ينالون منازل الأبرار"(معاني الأخبارص201)، وفي الحديث أيضاً عن علي بن جعفر سأل أخيه موسى بن جعفر(ع): "هل يسلم الناس حتى يعرفوا ذلك؟ (يقصد: حتى يعرفوا ولاية الأئمة(ع)) قال: لا، إلاّ المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا" قلت : من هم؟ قال: أرأيتم خدمكم ونساءكم ممن لا يعرف ذلك، أتقتلون خدمكم وهم مقرون لكم؟! (بحار الأنوارج69 ص 171).

 

القاصر والمستضعف:

 

وقد أدرج بعض العلماء الجاهل القاصر في عداد أفراد المستضعف ومصاديقه، بل من أوضح مصاديقه (الإيمان والكفر للسبحاني ص101)، والسؤال: كيف يمكن اعتبار الجاهل القاصر من مصاديق المستضعف؟

 

أقول: يمكن توجيه ذلك وفهمه في ضوء ما قدمناه من تعميق لمفهوم المستضعف، حيث اعتبرنا أن أساس الاستضعاف الذي يمنح صاحبه العذر يكمن في تدني المستوى المعرفي والعقلي لدى الإنسان، ومن الواضح أن هذا التدني حاصل في الجاهل القاصر، وفي كل حال، فإنّ الجاهل القاصر إن لم يكن داخلاً في المستضعف موضوعاً فهو داخل فيه حكماً، لاشتراكهما في عدم قيام الحجة والبيان، والمؤاخذة ـ  كما هو معلوم ـ إنما تكون بعد اكتمال الحجة ووصول البيان.