دخل لبنان في أزمة سياسية جديدة وتعثر حكومي بعد إستقالة وزيري الكتائب

 

السفير :

تتجاوز استقالة وزيري «الكتائب» سجعان قزي وآلان حكيم حدود الصيفي وحسابات الحزب، لتضع على المحكّ مستقبل الحكومة ككل، وتسلّط الأضواء الكاشفة على مجمل المأزق السياسي الآخذ في التمادي تحت وطأة الشغور الرئاسي والشلل التشريعي والتعثر الحكومي.
وقد أتى قرار «الكتائب» بالانسحاب من الحكومة ليخطف بعض الضوء من حادثة تفجير «بنك لبنان والمهجر»، التي بقيت قيد التحقيق من قبل شعبة المعلومات، فيما أبلغ وزير الداخلية نهاد المشنوق وفداً من الاتحاد الأوروبي التقاه، أمس، أن الوضع الأمني في لبنان تحت السيطرة ولا يمكن القبول بأن تصبح المصارف «رهائن لأسباب سياسية»، مجدداً القول إن التفجير الأخير «لا يشبه حوادث التفجير التي سبق للبنان أن شهدها». وأكد أن المؤسسات العسكرية والأمنية «تعمل على مدار الساعة للتصدي لكل الأخطار الأمنية ومواجهة الخلايا الأمنية الإرهابية النائمة والعمل على كشفها والقضاء عليها».
وغداة استهداف «لبنان والمهجر»، قرر «حزب الكتائب» أن يفجّر «قنبلة سياسية» في داخل الحكومة عبر الإعلان عن استقالته منها، احتجاجاً على كل مسارها وسلوكها، وفق أدبيات الصيفي، وإن يكن هناك من سارع إلى ربط هذا القرار بحسابات التنافس في الشارع المسيحي وعليه، بل إن قوى مسيحية سارعت إلى وضع موقف «الكتائب» في إطار المزايدة، متوقعة أن تكون له تبعات مستقبلاً على التحالفات السياسية والنيابية.
ولعل الأسباب الموجبة التي أوردها النائب سامي الجميل في معرض تفسير دوافع الاستقالة تشكل جزءاً يسيراً مما يشكو منه الرئيس تمام سلام شخصياً، وهو المقيم بل العالق، في عنق زجاجة حكومته التي تشبه كل شيء إلا.. مجلس الوزراء.
ومع ذلك، يبدو أن القرار السياسي، ببعديه الداخلي والخارجي، الذي أشرف على ولادة هذا الكائن الحكومي الهجين لا يزال ساري المفعول، وبالتالي فإن مجلس الوزراء سيبقى على الأرجح موصولاً بأجهزة التنفس الاصطناعي حتى إشعار آخر، ولن يتأثر باستقالة هذا أو ذاك، كما أكدت مصادر وزارية لـ «السفير».
بهذا المعنى، فإن بقاء الحكومة برغم الخطوة الكتائبية، يبقى بمعايير رعاة الاستقرار النسبي، أفضل من سقوطها غير المدروس والذي قد يشرّع الأبواب أمام المجهول، فيما هناك من يروج في المقابل لنظرية أخرى مفادها أن رحيل الحكومة، لو من دون بديل جاهز، سيُحدث صدمة من شأنها أن تختصر مراحل المراوحة وتدفع في اتجاه إطلاق دينامية جديدة، سواء عبر انتخاب رئيس الجمهورية أو إجراء انتخابات نيابية عاجلة.
ولئن كان يُتوقع أن تحتوي باقي مكونات الحكومة، استقالة وزيري «الكتائب»، إلا أن ذلك لا يعفي من طرح الأسئلة الآتية:
كيف ستتعايش الحكومة مع النزف المستمر في وزرائها المستقيلين تباعا، من اشرف ريفي إلى قزي وحكيم؟
كيف سيتعامل سلام مع الاستقالة التي تبلّغها إعلامياً فقط، ولم تسلك بعد طريقها القانونية؟
هل يمكن أن تشكّل الاستقالة الكتائبية صدمة ايجابية، تكسر الحلقة المفرغة التي يدور فيها مجلس الوزراء منذ فترة طويلة أم أن الوقت سيطويها وكأنها لم تكن؟
هل ما حصل سيُقصّر العمر السياسي للحكومة وسيعجّل في إحالتها إلى التقاعد، أم أنها ستستمر بـ «يلي بقيوا» في انتظار التسوية الإقليمية ـ الداخلية؟
ما هي خطورة اهتزاز «الستاتيكو» الحكومي في ظل الشغور الرئاسي والشلل التشريعي واستهداف القطاع المصرفي ودقة الواقع الأمني المرشح لمزيد من الاختبارات؟
هل من شأن خلط الأوراق في السياسة والأمن أن يدفع في اتجاه انجاز الاستحقاق الرئاسي «على الحامي»؟
كيف ستنعكس الاستقالة على داخل مجلس الوزراء وموازين القوى فيه؟
هل سيزداد «التيار الوطني الحر» تشددا ليحمي نفسه من المزايدات على يمينه ويساره، والى أي حد سيؤدي غياب وزيري «الكتائب» إلى تحسين شروط الموقع التفاوضي لوزراء «التيار» الذين باتوا يشكلون الثقل الوازن للتمثيل المسيحي في الحكومة، في ظل غياب «الكتائب» و «القوات اللبنانية»، ما يعني أن أي استقالة لهم لاحقاً قد تؤدي إلى إصابة ميثاقيتها بجروح بالغة؟
في هذا السياق، قالت أوساط كتائبية مقرّبة من الجميل لـ «السفير» إن استقالة حكيم وقزي نهائية ولا تراجع عنها. وكشفت عن اتصالات أجرتها جهات سياسية عدة مع رئيس الحزب لثنيه عن قراره، لكنه أبلغها تصميمه على موقفه.
وسألت «السفير» رئيس الحكومة تمام سلام عن تعليقه على الاستقالة، فاكتفى بالقول: لا تعليق.
فضيحة الانترنت.. تابع!
على صعيد آخر، تعود لجنة الاتصالات والإعلام النيابية إلى الاجتماع ظهر اليوم لمتابعة البحث في ما آلت إليه التحقيقات في ملف الانترنت غير الشرعي، بحضور عدد من الوزراء، إضافة إلى القضاة المعنيين ومدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء بصبوص.
وعشية جلسة اللجنة، أكد الرئيس سلام لـ «السفير» أن التحقيق يجب أن يأخذ مداه للوصول إلى كل الحقيقة في فضيحة الانترنت، مشددا على انه لا توجد حصانات ولا حمايات لأحد، وكل مرتكب تثبت إدانته ينبغي أن يلقى الجزاء الذي يستحقه، لكن في الوقت ذاته من غير الجائز إصدار أحكام مسبقة، وعلينا جميعا ان نترك القضاء يعمل من دون ممارسة أي ضغوط او تأثيرات عليه.
ويكتسب اجتماع لجنة الإعلام، اليوم، أهمية استثنائية، بموضوعه المتشعب، من الانترنت غير الشرعي إلى التجسس الإسرائيلي مرورا بالتخابر الدولي غير الشرعي و «الغوغل كاش».
ووفق المسارات التي حددها القضاء، فإن التحقيقات في هذه القضية تتركز حول أربعة مسارات، أولها كيفية دخول معدات الانترنت غير الشرعية إلى لبنان عن طريق مرفأ بيروت ومطار بيروت الدولي، وهنا تبرز مسؤوليات الجمارك والجيش اللبناني ووزارة الاتصالات.
وثاني المسارات يتعلق بتركيب أبراج الاتصالات، وهنا تبرز بالدرجة الأولى مسؤولية المخافر المناطقية المعنية في قوى الأمن.
وثالث المسارات هو تسرب الانترنت غير الشرعي.
ورابع المسارات يتعلق باحتمال الخرق الإسرائيلي، خصوصاً بعد التثبت من أن بعض المعدات المستعملة إسرائيلية، فيما يجري التدقيق باستجرار الانترنت غير الشرعي من شركة في قبرص التركية تتعامل مع إسرائيل، علما أن مخابرات الجيش أكدت في تقريرها الأخير المقدم إلى القضاء انه لا يمكن الجزم بعدم وجود خرق إسرائيلي ولكن تفكيك المعدات ومحو «الداتا» من جهاز التخزين(server) يزيد الشبهات وأن المعدات أدخلت إلى لبنان عبر معابر شرعية لكن بمسميات مختلفة.

النهار :

لن تتأثر الميثاقية، ولا النصاب، ولا شرعية الحكومة السلامية التي لا تسقط دستورياً الا باستقالة رئيسها أو أكثر من ثلث اعضائها. لكن "حكومة المصلحة الوطنية" تعيش مرحلة جديدة من التفكك والسقوط. فبعد إستقالة وزير العدل أشرف ريفي التي لا تزال معلقة من دون توضيح مصيرها، تأتي إستقالة وزيري حزب الكتائب سجعان قزي وألان حكيم لتلقى المصير نفسه وخصوصاً بعد اعلان رئيس الحزب سامي الجميل الاستقالة من غير ان يسهب في شرح تفاصيلها. فهل تكون استقالة كاملة يمتنع فيها الوزيران عن الحضور الى وزارتيهما، أم يكتفيان بمقاطعة جلسات مجلس الوزراء؟
في القراءة السياسية، انسجم حزب الكتائب مع خطابه المعترض على كل السياسات الحكومية، لكن ثمة خلافاً واضحاً على نتائج الاستقالة وما اذا كانت ستشكل صدمة وارتجاجاً في الوضع القائم، وخصوصا في الاداء الحكومي المتعثر، وتدفع في اتجاه الانتخاب الرئاسي، أم تذهب ادراج الرياح وتمر من دون ضجيج كما تم التعامل مع خروج الوزيرين من مجلس الوزراء الخميس الماضي؟ الأكيد، استناداً إلى مصادر متابعة، ان استقالة وزيري الكتائب عززت قوة وزراء "التيار الوطني الحر" وجعلتهم يمسكون بورقة الميثاقية والتمثيل المسيحي في الحكومة الأمر الذي يقوي فاعليتهم وقدرتهم على التحكم بمسار الامور مدة قد تطول في ظل الشغور الرئاسي المستمر منذ سنتين، خصوصا ان لا إمكان لاستقالة الحكومة كاملة وتعيين بديل منها.
وعلمت "النهار" ان قرارالاستقالة اتخذ في اجتماع حزبي ليل الاثنين واختلفت الاراء حوله، وخصوصاً في الشق المتعلق بالاستقالة الكاملة والانقطاع عن ممارسة المهمات، أو الاستمرار في العمل الوزاري من باب تصريف الاعمال. وبدا أمس النائب الجميل مربكاً حيال الامر الذي لم يحسم كما أفاد وفق قريبون منه في انتظار ردات الفعل واستجابة الحكومة لمطالب الحزب أو عدمها غداً الخميس.
وبرز مجددا السؤال المعتاد: لمن يقدم الوزير استقالته ومن يوافق عليها؟ يجيب وزير الاعلام رمزي جريج الذي نأى بنفسه عن الاستقالة لأنه غير منضو في الحزب: "هناك وجهتا نظر، الأولى ان الاستقالة من الوزارة عمل أحادي وغير مرتبط بجهة معينة وليس مشروطاً، والثانية أن الاستقالة مشروطة بقبولها من رئيسي الجمهورية والحكومة، وهذا الأمر يستند الى الفقرة 4 من المادة 53 من الدستور التي تتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية التي تقول أن الاخير يستطيع بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء أن يصدر مرسوم تشكيل حكومي ومراسيم قبول استقالة الوزراء، فإذا كان من معنى لهذا النص فهو ان الاستقالة لا تكون نهائية إلا بمرسوم قبولها". وأضاف: "ممكن أن تُفسر أيضاً أن الحكومة مجتمعة التي تحل مكان رئيس الجمهورية يمكنها قبول استقالة الوزراء".
الوزير جريج الذي سيبقى في الحكومة على رغم انسحاب حكيم وقزي، يشبه حاله بحال رئيس الحكومة تمام سلام الذي يصبر ويتحمل على رغم عدم نيته الاستمرار في رئاسة الحكومة "لكن الظرف يقضي بأن يتحمل المسؤولية، سأبقى لادافع عن القضايا التي كان يدافع عنها حزب الكتائب، وهي محاربة الفساد والشفافية وحل القضايا التي تهم المجتمع المدني والناس". ويؤكد ان "الحكومة تواصل عملها في شكل طبيعي لأنها لا تعتبر مستقيلة إلا باستقالة ثلث اعضاءها، ومن الطبيعي أن هناك وزراء بالوكالة اثناء غياب الاصيلين، ولكن مثلاً الوزير أشرف ريفي تابع تصريف الاعمال وممكن لوزيري الكتائب متابعة العمل مثله".
أما وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس، فقال لـ"النهار": "أتمنى أن استقيل اليوم قبل الغد لكني لا أقدم على خطوة كهذه في ظل الفراغ". وسجّل عتباً على رئيس الكتائب عندما ربط الاستقالة بالصفقات "كأنه يقول إن الآخرين في الحكومة ضالعون في الصفقات وفي قوله ظلم لأنني لا أعلم أن من كثرة الوزراء من هو ضالع في ذلك". ورأى أن من هو أولى بتقديم الاستقالة هو رئيس الحكومة. واعتبر وزير السياحة ميشال فرعون، في تصريح لـ"النهار"، ان استقالة وزيري الكتائب ستعقد الأمور سياسياً.
ولفتت مصادر متابعة الى إتصالات جرت أمس قبل إعلان خطوة الاستقالة أجراها أصدقاء وحلفاء مع رئيس الحزب والرئيس أمين الجميّل وتخللها التعبير عن عدم الارتياح لما ستؤدي اليه الاستقالة من خلل في التمثيل المسيحي في الحكومة، كما أن الرئيس سلام أبدى عدم حماسته لهذه الخطوة التي ستؤدي الى غياب وزيريّن كفيّين عن مجلس الوزراء. ورجحت ان ينضم وزيرا الحزب الى الوزير ريفي في تصريف الاعمال نظراً إلى تعذر قبول الاستقالات.

أمن الدولة
الى ذلك يعود ملف المديرية العامة لأمن الدولة الى الواجهة من البوابة الكتائبية عينها، زكذلك قواتية، اذ غرد رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع قائلاً: "ان تصرف الحكومة تجاه جهاز أمن الدولة غير مقبول. لقد وضعت الحكومة هذا الجهاز عملياً خارج رعايتها ومن دون أي مسوغ قانوني ومن دون أي أسباب موجبة خلال سنة تقريباً".
ولاحظ أن "الحكومة تتحضر لمخالفة جديدة بحق جهاز أمن الدولة اذ ان نائب رئيس الجهاز يُحال على التقاعد في 26 من الجاري، فبدلَ أن تلتقط الحكومة الفرصة وتقوم بتعيين نائب رئيس جديد وفقاً للأصول فإنها تتحضر لفذلكة غير قانونية بمحاولة التمديد لنائب الرئيس الحالي".
وتمنى جعجع على رئيس الحكومة "أن يتدخل شخصياً لمنع تفاقم الوضع والدخول في فصل جديد من الشلل المدمر الذي عاشه الجهاز في الفترة الأخيرة".
وأبلغت مصادر وزارية "النهار" ان ثلاثة احتمالات تحكم المرحلة المقبلة وهي: اولاً: تسريح العميد محمد الطفيلي وفق القانون، وهو ما يبدو متعثراً بسبب ضغوط داخلية واصرار على تسريح المدير ونائبه معاً، وتمنيات خارجية عبر وسطاء بقاعيين لابقاء الطفيلي في موقعه حالياً.
ثانياً: تأجيل التسريح، وهو أمر متعثر أيضاً لانه غير قانوني ولا يمكن تطبيق ما حصل مع عدد من ضباط الجيش على المديرية العامة لامن الدولة، وأي تمديد يتطلب اقتراحاً من المدير العام وهذا غير متوافر بالطبع. (راجع المطالعة القانونية في "نهار" الاثنين).
ثالثاً: تعيين بديل منه وهو الخيار الانسب والذي يمكن الاتفاق عليه في مجلس الوزراء، وفي حال عدم حصول الامر يمكن متابعة الامر باشراف مباشر من رئيس الحكومة الذي يحل محل مجلس القيادة في الامور التي تحتاج الى قرار يتعدى المدير العام وحده.
لكن المصادر تخوفت من عرقلة متعمدة اذ تبين ان المصاريف السرية المخصصة للاعمال الامنية تصرف لكل الاجهزة من دون قرارات ومن دون تواقيع، أي أوتوماتيكياً، وتالياً لا يمكن حجزها أو منعها عن أي جهاز إلا بناء على قرار يتخذه مجلس الوزراء، وهذا ما لم يحصل في أمن الدولة في حين قطعت عنه المصاريف السرية وغير السرية حتى بات الضباط والعناصر يحضرون معهم أوراقهم وأقلامهم بعدما نفد الاحتياط.
واسفت المصادر الوزارية ان يكون الرئيس سلام استمهل الجميع فترة لكي يرتب الحل من دون الاقدام فعلاً على ذلك بل انه خضع للامر الواقع، ونقلت عنه انزعاجه "لانو مش ماشيين معي بالحل".
ودعا "تكتل التغيير والاصلاح" بعد اجتماعه أمس الى احترام هرمية المؤسسة والتراتبية فيها كباقي المؤسسات والقوانين المتعلقة بسن التقاعد والاصول المرتبطة بها نسبة إلى التعينات والاعتمادات المالية اللازمة لتسيير هذا المرفق الامني العام.
وقال الوزير آلان حكيم "إن منهجية تعامل الحكومة مع ملف أمن الدولة هي منهجية تدميرية لواحدة من أهم مؤسسات الأمن في لبنان. إن موقفنا واضح وهو تطبيق القانون وتسيير أمور مؤسسة أمنية عسكرية موجودة اليوم على الساحة، وهذا من حق المؤسسة والعاملين فيها وهو حق عام للبنانيين. إن ذريعة التمديد سقطت منذ الإنتخابات البلدية الأخيرة، وموقفنا رافض رفضاً كاملاً لأي تمديد أو تأجيل تسريح".

 

المستقبل :

في خضم الترهّل المؤسساتي والخطر المحدق بالبلاد من كل حدب وصوب اقتصادي واجتماعي وحياتي وأمني ومصرفي، أتت خطوة استقالة وزيري حزب «الكتائب» لتزيد الطين الحكومية بلّة من دون أن يكون في مقدورها أن تحقق أي خرق في جدار التأزم الوطني ولا تعدو كونها «خطوة لا تقدّم ولا تؤخّر ولا تغيّر في مصير الحكومة» كما أكدت أوساط السرايا لـ«المستقبل» سوى أنها «تعطي دليلاً إضافياً على المدى الذي بلغه الاهتراء السياسي في البلد، وتضيف إشكالية جديدة على إشكالية استقالة وزير العدل أشرف ريفي لناحية عدم وجود رئيس للجمهورية يقبل استقالة الوزراء في ظل التفسير الدستوري القائل بأنها صلاحية تندرج في إطار الصلاحيات اللصيقة بالرئيس».
وبينما كان رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميل يستعد لإعلان استقالة وزيري الحزب سجعان قزي وآلان حكيم لاعتباره أنّ «الحكومة تحوّلت من رمز استمرارية الدولة إلى رمز هريان ما تبقى من الدولة»، كان وزير الاتصالات بطرس حرب ينقل عن رئيس مجلس الوزراء تمام سلام أنه يشعر بـ«القرف» لافتاً إثر اجتماعه به في السرايا الحكومية إلى أنّ «الوضع دقيق ودقته تكمن في الاهتراء الحاصل على صعيد النظام السياسي وتعثر عمل الحكومة في بت القضايا التي تعني اللبنانيين»، وأردف: «لو كنا في أيام عادية لم نكن لنستمر في ظل هكذا ظرف إلا أن هناك مصلحة البلد التي تفرض علينا وعلى كل اللبنانيين أن يتحمل كل شخص مسؤولياته»، مضيفاً: «الرئيس سلام في حالة انزعاج كبيرة ويشعر بأننا أسرى في سجن السلطة لأنه لا يوجد رئيس للجمهورية ليفتح باب السجن، وبالتالي فنحن مسجونون ونعاني ما يعانيه المسجون الذي يضطر إلى أن يبقى في موقعه وفي تحمل مسؤولياته».

«المستقبل»
في الغضون، استنكرت كتلة «المستقبل» النيابية خلال اجتماعها الدوري أمس برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة جريمة التفجير الإرهابية التي استهدفت المقر الرئيسي لبنك «لبنان والمهجر» والتي تتقصد ترهيب القطاع المصرفي وتهديد الأمن القومي والمعيشي للبنانيين. وإذ لفتت الانتباه إلى أنّ «الحملة الإعلامية والسياسية العنيفة التي شنها ويشنها «حزب الله» وبعض الإعلاميين المقربين منه والمحسوبين عليه ضد مصرف لبنان والقطاع المصرفي هي التي مهّدت الطريق والأجواء لارتكاب هذه الجريمة الإرهابية»، نبّهت الكتلة الشعب اللبناني إلى خطورة ما قد يترتب عليه جراء السياسات والممارسات التي يرتكبها الحزب، داعيةً في الوقت عينه الحكومة إلى «التنبه للمخاطر المحدقة جراء سياسة «حزب الله» الراهنة والخطيرة على أمن لبنان الاقتصادي واستقراره وعلى لقمة عيش جميع اللبنانيين».
حسابات «طائفية»
تزامناً، وفي حين برزت خلال الساعات الأخيرة تحذيرات مالية من مغبة إمعان بعض الصحف الموجّهة في نشر «معلومات مغلوطة» قد يكون لها انعكاس سلبي خطير من شأنه أن يؤجج الأزمة الناتجة عن العقوبات الأميركية ولا يساعد في معالجتها، آثرت مصادر معنية في المصرف المركزي عدم الخوض في أي ردود مباشرة على ما يُشاع صحافياً من هذا القبيل، واكتفت بالإعراب لـ«المستقبل» عن رفض المصرف ما يُحكى عن تطييف الحسابات المصرفية في البلد خصوصاً لناحية استخدام مصطلحات من نوع «الحسابات الشيعية أو الضمانات الشيعية»، محذرةً من أنّ «إثارة الموضوع بهذا الأسلوب الطائفي والمذهبي هو أمر بالغ الخطورة على الوطن ووحدة أبنائه».

الديار :

هل وصلت شظايا القنبلة الى واشنطن؟ وليد جنبلاط تحدث عن «طابور خامس» جهات امنية تشير الى «الاشباح التي تلعب بين نصوص القانون الاميركي» حتى اذا ما عرف الكلام الذي يقال،ومنذ صدور القانون، عن التسونامي الاميركي ضد «حزب الله»، لكان بالامكان توجيه الاتهام الى اكثر من جهة وجهت اصابعها، فوراً الى الحزب...
حتى ان احدى القنوات التلفزيونية كررت مرات قراءة مقتطفات من مقالة صحافية واضح ان كاتبها يستند الى المناخ العام، ودون ان تكون للحزب صلة بها، ليس فقط لتوحي بل لتجزم بان المقالة هي بمثابة الموسيقى التصويرية التي تسبق انفجار تم اعداده باسلوب هوليوودي.
اكثر من ذلك، في دردشة منذ اكثر من شهر بين مرجع لبناني ومسؤول اميركي زار بيروت في مهمة محددة وبعيدة من الضوء، سأل المرجع «في كل تصريحاتكم، وفي كل مواقفكم، تشددون على استقرار الوضع في لبنان والى الحد الذي جعلنا نقول ان البلد تحت المظلة الاميركية، لا بل ان البعض من الذين على صلة «وظيفية» بكم صرح بان لبنان تحت «غطاء اميركي كبير»، ولكن الا تعتقد ان قانون العقوبات الذي ترك باب التغيير والاجتهاد مفتوحا على مصراعيه سيكون سبباً في تفجير الوضع الداخلي؟
وقال المرجع «لو كنت انا شيعياً وعندي دكان للخضار في ضاحية بيروت الجنوبية لاعتقدت ان اسمي مدرج على اللائحة الاميركية لان بعض زبائني قد يكونون حزبيين او من اصدقاء الحزب».
المرجع نبّه في حينه الى ان من يقرأ نصوص القانون يعرف ان واشنطن بات لديها كل الصلاحيات لتدمير اي شخصية او اي مؤسسة تعود الى الشيعة في لبنان، وهذا يعني، حتماً ان لبنان مقبل على مأزق خطير، وربما على انفجار خطير».
لا بل ان جهات اوروبية سألت ما اذا كان بارونات الكونغرس يدركون حقاً، حساسية التركيبة اللبنانية، وتداخل الحلقات المصرفية كما الحلقات الاقتصادية مع بعضها البعض في بلد ادت احداث المحيط، بابعادها الطائفية، والمذهبية، الى جعله اكثر هشاشة وقابلية للسقوط...
ومثل هذا الكلام يسمع على لسان سفراء اوروبيين يعتبرون ان الولايات المتحدة تخطت كثيرا حين تحاول ان تلعب في لبنان «لعبة القضاء والقدر» مع التساؤل عن السبب الذي يجعلها تلاحق «حزب الله» بشكل الطريقة «الجنونية» فيما كانت قاذفاتها العملاقة تكثف تصوير قوافل الصهاريج التابعة لتنظيم الدولة الاسلامية وهي تقطع مئات الكيلومترات في الصحارى والسهول لتدخل الى الاراضي التركية...
ويتردد انه حين كانت السلطات اللبنانية تغط في نوم عميق فيما يتنقل مشروع القانون من لجنة الى لجنة في تلة الكابيتول، سئل جون كيري في باريس ما اذا كان ما يحصل جزء من خطة اميركية يجري تنفيذها ضد الحزب. اجاب الا علم لديه باي خطة في الوقت الحاضر، مذكرا بانه الآن في وزارة الخارجية ولا تأثير له على ما يجري في اروقة الكونغرس.
المثير هنا ان شخصيات سنيّة استغربت الحملة التي شنها نواب سنّة، ومؤسسات يملكها سياسيون سنّة على «حزب الله»، وهذه الجهات اتصلت حتى بمراجع دينية في الطائفة لتذكيرها بان السبب الذي حمل الكونغرس وهو الصورة المكبرة عن الكنيست، على اصدار ذلك القانون، واضح جداً، كون الحزب في حالة صراع مع اسرائيل...
والشخصيات اياها سألت «في هذه الحال، اين يقف السنّة، وهم اهل الامة وقضيتهم التاريخية والايديولوجية هي فلسطين، مع اسرائيل او مع من يناصب العداء لاسرائيل».
احدى تلك الشخصيات، وهو وزير سابق، وصف الساحة السياسية في لبنان بـ «الساحة القذرة»، بمن فيها، ومع اعتبار المناخ الغرائزي القائم، تضيع المفاهيم والقيم و«نتحول كلنا، مذهبياً وسياسياً، الى شياطين».
الوزير السابق قال لـ«الديار»، المشكلة ان البعض في لبنان لا يستطيعون الا السير في ركاب بعض القوى العربية التي اسقطت كل المبررات بينها وبين اسرائيل التي استغرب كيف اننا لا نتنبه الى الخطر الذي تمثله بالنسبة الى لبنان تحديداً، وهو البلد الذي تسعى الى ازالته منذ مراسلات دافيد بن غوريون وموسى شاريت في مطلع الخمسينات من القرن الماضي».
ولا ينسى الوزير السابق الذي كان، بحسب تعبيره، في «عمق تيار المستقبل، تذكير من يعنيهم الامر بان على رأس اسرائيل بنيامين نتنياهو وافيغدور ليبرمان اللذان في رأس اولوياتهما التوراتية (والاستراتيجية) دفع عرب الجليل وصولا الى حيفا والناصرة الى الداخل اللبناني.
اضاف «انا حتماً مع «حزب الله» عندما يشارك في حراسة الحدود من «داعش» و«النصرة» وانا ضده كليا لقتاله في الداخل السوري، ولكن عندما يتعلق الامر بما يفعله اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة وكيف دفع بكل قوته بمشروع القانون، لا يمكنني الا ان اقف ضد القانون او على الاقل ضد التنفيذ العشوائي لاحكامه ما دام لا احد في هذا العالم يستطيع ان يقف في وجه الاعاصير الاميركية.
في تلك اللحظات العصبية، كانت هناك عقول باردة وترى ان هناك قوى سياسية اعتبرت ان القنبلة هي الشرارة المنتظرة للانقضاض على «حزب الله» ولاعلان التضامن مع الولايات المتحدة ضد الحزب، فضلا عن اقحام المسؤولين الاميركيين (وربما الاسرائيليين) بان هناك قوى لبنانية تقف معها، حتى في الخنادق، ضد «حزب الله». ولعل اللافت هنا ما قاله وزير بارز من قوى 8 آذار بانه لو كان وزيراً للداخلية او وزيراً للعدل لابقيت الفاعل مجهولاً، وقد يبقى مجهولاً، لان قنبلة غروب الاحد قد تجعل واشنطن التي لا شك انها لا تريد زعزعة الوضع اللبناني، تنظر الى هذا الوضع من زاوية معينة، ولا تسعى لتنفيذ القانون كما لو انه المقصلة الجاهزة لقطع الرؤوس...
في كل الاحوال، الوضع يميل الى الهدوء، والكل ادركوا حساسية الحالة الداخلية في لبنان ليكون التعاون والتنسيق شعار المرحلة المقبلة لا الاستقواء باميركا ضد الجهة التي ترى انها تستقوي بايران، خصوصاً وان لبنان امام استحقاقات مصيرية وبما تعنيه الكلمة.
ـ كتلة المستقبل ـ
هذا لا يعني ان تيار المستقبل لن يستثمر المناسبة من اجل توجيه الاتهام بصورة مباشرة قد تكون اكثر حدة من الاتهام المباشر، الى «حزب الله»، وكتلة المستقبل قالت في بيانها امس انه «لا يمكنها ان تتجاهل الحملة الاعلامية والسياسية التي شنها ولا يزال «حزب الله» على مصرف لبنان وعلى القطاع المصرفي اللبناني ظناً منه انه بذلك يستطيع ان يوقف التزام لبنان مقتضيات عضويته في النظام المالي العالمي والتزامه تطبيق القوانين المالية التي اصدرها المجلس النيابي اللبناني، وكذلك الاجراءات والتعاميم التي يصدرها مصرف لبنان.
وكان لافتاً ان كتلة المستقبل لم تشر بالاسم الى قانون العقوبات الاميركي، ولا الى خلفياته او الى الجهات التي تقف وراءه، كما ان «حزب الله» لم يتطرق يوما الى القوانين التي اقرها المجلس النيابي.
وجدد وزير الداخلية نهاد المشنوق قوله ان تفجير فردان لا يشبه غيره من حوادث التفجير التي سبق للبنان وشهدها، قائلا «لا يمكن القبول بان تصبح المصارف رهائن لاسباب سياسية».
ولاحظ «ان النظام السياسي يترنح في غياب رئيس الجمهورية مبدياً تخوفه من اجراء انتخابات نيابية مبكرة قبل رئاسة الجمهورية لان من شأن ذلك نقل التعطيل وتوريثه للمجلس الجديد.
وكان قد بدا من مناقشات المكتب السياسي لتيار المستقبل اول امس ان هناك بين اعضاء المكتب من اعتبر ان في القاعدة من لم «يهضم» ترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، فكيف يمكن لها ان «تهضم» ترشيح العماد ميشال عون.
وترددت معلومات بان المناخ العام داخل التيار، ودون ان يكون الدعم الخارجي بالزخم الذي يريده الحريري، يجعل هذا الاخير يتريث في التفوه باسم الجنرال بانتظار ما يمكن ان يحمله معه وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت.
ويبدو ان الحريري ترك كتلة المستقبل  تتكلم امس ليقتصر افطاره الرمضاني على الاسئلة والاجوبة.
ـ ثورة الجميل ـ
غير ان الحدث الدراماتيكي امس هو اعلان رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل استقالة وزيري الحزب سجعان قزي وآلان حكيم، فيما لجأ الوزير رمزي جريج الى «الانشقاق الذاتي» والبقاء داخل الحكومة.
واعتبرت اكثر من جهة وزارية ان الاستقالة هي بمثابة قفزة في الهواء وان آلية الاستقالة في الوضع الانتقالي الراهن غير واضحة، وهو ما ظهر من استقالة وزير العدل اشرف ريفي الذي ما زال يمارس صلاحياته، وان كانت الظروف مختلفة بين الحالتين لان استقالة ريفي شخصية وترتبط بتقلبات زئبقية، فيما وزيرا العمل والاقتصاد يخضعان لقرار حزبي اتخذ.
غير ان الجميل بدا وكأنه، في مؤتمره الصحافي، يعلن الثورة على الطبقة السياسية، مستغلاً ملف النفايات لاخراج وزيريه من الجلسة قبل اخراجهما من الحكومة.
بطبيعة الحال، هناك داخل «التحالف المسيحي» من وجد في خطوة رئيس الكتائب «قنبلة صوتية» معتبراً انه حقق نجاحات في الانتخابات البلدية ويفترض ان يترجمها لتأكيد حضوره داخل المعادلة المسيحية.

الجمهورية :

دخلت البلاد فصلاً جديداً من فصول الأزمة السياسية، زاد في تعثّرِ عمل المؤسسات، خصوصاً الحكومة، بَعد المراوحة في ملفّ رئاسة الجمهورية والكباش في قانون الانتخابات النيابية. ومُنيَت «الحكومة السَلامية» بنكسة جديدة تمثّلت في إعلان حزب الكتائب استقالتَه منها، لتكونَ بذلك الاستقالة الثانية بعد وزير العدل أشرف ريفي، عِلماً أنّ استقالة وزيرَي الكتائب سجعان قزّي وآلان حكيم لا تعني انقطاعَهما عن تسيير الأعمال في وزارتَيهما العمل والاقتصاد والتجارة، بل الانقطاع عن المشاركة في جلسات مجلس الوزراء. في غضون ذلك، التقى صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وليّ عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في قصر البطين أمس رئيسَ مؤسسة الإنتربول نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والداخلية السابق الياس المر، وعرضَ معه لمجالات التعاون والتنسيق بين الجهات المعنية في الدولة ومؤسّسة الإنتربول في شأن مكافحة الجريمة بكلّ أشكالها والشراكات الثنائية القائمة التي مِن شأنها تعزيز جهود مؤسّسة الإنتربول مع نظيراتها وتمكينُها من القيام بدورها في التصدّي للجرائم الدولية والعابرة للحدود. وقد حضَر الاستقبال الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان ممثّل الحاكم في المنطقة الغربية، والشيخ هزاع بن زايد آل نهيان نائب رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، والشيخ نهيان بن زايد آل نهيان رئيس مجلس أمناء مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، والفريق الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، والشيخ حامد بن زايد آل نهيان رئيس ديوان وليّ عهد أبوظبي، والشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، وسفير دولة الإمارات في لبنان حمد سعيد سلطان الشامسي. فاجَأ قرار حزب الكتائب باستقالة وزيرَيه من الحكومة الأوساطَ السياسية التي كانت تترقّب أن يشهد العمل الحكومي حَلحلة في مكان ما تعوّض الفراغ الرئاسي الذي طالَ أمده.
وفتَحَت الأفقَ على أسئلة كثيرة لعلّ أبرزَها: إلى متى تستطيع الحكومة الصمود بعد، وهل سيَقبل الرئيس تمام سلام الاستقالة، ولماذا جاءت في هذا التوقيت، في حين يَغيب أيّ مؤشّر لحلّ الأزمة الرئاسيّة، مع العِلم أنّ المسّ ببنيان الدولة وصَل إلى حدّ التجرّؤ والاعتداء على القطاع المصرفي الذي بقيَ وحيداً بمنأى من الشَلل الذي يضرب لبنان.
وبَعد استقالة وزيرَي الكتائب، تكون الاستقالات في الحكومة قد ارتفعَت إلى ثلاثة وزراء، عِلماً أنّ جرَيج الذي كان يُصنَّف في خانة الكتائب أعلنَ عدمَ نيّته الاستقالة، وهنا لا بدّ من طرح نقاط أساسية، وهي هل يُعتبَر استمرار الحكومة بعد استقالة وزيرَين ميسيحيّين ووزير سنّي ميثاقياً، خصوصاً أنّ الاستقالات أتَت بعد الفراغ الرئاسي، وآليّة عمل مجلس الوزراء التي تمَّ الاتّفاق عليها بعد الفراغ تَمثّلت بتوقيع الوزراء الـ 24 على أيّ قرار، وهل مَن سيتبع الكتائب، أو أنّهم سيُتركون وحيدين؟ ومَن سيَتضامن معهم؟
وماذا عن الوزراء المستقلّين في «14 آذار»؟ وماذا سيكون موقف تيار «المستقبل» الذي يراعي الكتائب بعد أزمته مع «القوات»؟ وهل يَقبل تكتّل «التغيير والإصلاح» أن تستمرّ الحكومة بعملها في غياب وزيرَين مسيحيَّين؟
الجميّل
وكان رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل أعلنَ استقالة وزيرَيه من الحكومة في مؤتمر صحافي، معلّلاً السببَ بأنّها «تحوّلت من رمز استمرارية الدولة إلى رمز هرَيان ما تبقّى من الدولة، ولأنّنا نؤمن بأنّ لبنان يحتاج لصدمةٍ إيجابية وأنّ البلد واقتصاده لا يكمّلان بهذا الشكل في ظلّ الصفقات». وأكّد أنّ «المعركة مستمرّة ليس فقط على أداء الحكومة إنّما على أداء طبقة سياسية فشلت وامتهنَت التقلّبات واللعب بالبلد ووضع مصلحتها قبل مصلحة البلد».
إتّصالات ما قبل الاستقالة
وكانت أنباء الاستقالة بدأت تتسرّب منذ صباح أمس إلى بعض المرجعيات السياسية والحزبية والوطنية التي عبّر بعضُها عن قلقه من القرار وتداعياته على العمل الحكومي، فهو وإن كان لا يؤدّي إلى تطيير الحكومة إلّا أنّه يُفقدها عنصراً بالِغ الأهمّية من الحضور والتمثيل المسيحي الذي يُفتقَد أيضاً لأكثر من سبب، أوّلها يتّصل بالخلافات المسيحية - المسيحية، فلم يلتقِ الوزراء المسيحيون إلّا نادراً في بعض الملفات والقضايا الساسية، وبقيَت الخلافات تتحكّم بالكثير منها.
وقالت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» إنّ الجميّل تلقّى منذ صباح أمس وحتى ربعِ الساعة الأخيرة التي سبَقت مؤتمرَه، عدداً كبيراً من الاتصالات لثنيِه عن الخطوة، والتفكير بأساليب أخرى للإشارة إلى مطالب الحزب، وأبرزُها من الرئيس سعد الحريري وقيادة «التيار الوطني الحر» وعدد من الوزراء المسيحيين المستقلين وسفَراء عرب وأجانب يتقدّمهم السفير السعودي علي عواض العسيري وسفَراء غربيين.
ولفتَت المصادر إلى أنّ سلام «لم يُجرِ أيّ اتّصال بهذا الشأن رغم أنّه تلقّى اتّصالات من بعض الذين تعاطوا بالملف للبَحث في تداعياته على العمل الحكومي».
وقالت: «إنّ الظروف التي رافقَت الاتصالات الكتائبية التي سبَقت القرار، لم تكن مشجّعة لجهة انضمام بعض الوزراء إلى موقف الحزب، خصوصاً وزراء «التيار الوطني الحر» الذين لم يتجاوبوا مع طلب الحزب باتّخاذ موقف متشدّد من ملف النفايات وما يمكن أن تشهده منطقة ساحل المتن الشمالي، وتحديداً في محيط مكبّ برج حمّود.
وما زاد في الطين بلّة، ما تسرّبَ عن النيّة بالتمديد لولاية نائب مدير عام جهاز أمن الدولة العميد محمد الطفيلي، رغم الدراسات التي تَقدَّم بها مستشار المديرية القانوني الذي عبّر عن استحالة التمديد قانوناً ما لم يكن بقرار متّخَذ في المجلس الأعلى للدفاع، وهو الذي سيشكّل في حال اتّخاذه إشارةً إلى استمرار الأزمة في المديرية إلى ما شاء الله، الأمر الذي لم يستفزّ باقي الوزراء المهتمّين بالملف».
وأضافت المصادر: «لذلك كلّه، اتّخذ المكتب السياسي في اجتماعه مساء الاثنين قرارَ الاستقالة، وسط جدل واسع، بعدما عبّر عدد من أعضائه عن رفض الخطوة لأسباب تتّصل بخروج الحزب من المؤسسة التي تدير البلد وانحصرت بها صلاحيات رئيس الجمهورية الغائب».
جرَيج
في غضون ذلك، أوضَح جريج أنّ النائب الجميّل ترك له خيارَ اتّخاذ الموقف المناسب، وأبلغَ إليه أنّه ليس ملزَماً بقرارهم الحزبي.
وأكّد جريج لـ«الجمهورية» أنّه باقٍ في الحكومة وأنّه متضامن مع زملائه داخلها، وقال: «سأكون صوتَهم فيها طالما هم خرجوا منها، وسأدافع عن وجهات نظرهم في الملفات التي أتّفق دائما معهم عليها، لكنّني لا أجد أنّ استقالتي مناسبة في الوقت الحاضر، في حين لديهم اعتباراتهم، وقد طفحَ الكيل بالنسبة لهم على خلفية ملفّات عدّة، أبرزها مطمر برج حمّود وسد جنة، أتفهّم اعتباراتهم لكن في الوقت نفسِه لا أرى أيّ مبرّر عندي لكي أستقيل».
وأكّد جريج أنّ «الجميع يتابع ملفّ مديرية أمن الدولة، وسنطالب بتحريكه مجدّداً، بعدما طلبَ الرئيس سلام مهلة لمعالجته». وأبدى اعتقاده بأنّ ملف الاتصالات سيكون ملفّاً ساخناً في جلسة مجلس الوزراء غداً، لافتاً إلى أنّ بند سد جنّة سيُطرح مجدداً لكنْ ربّما ليس في هذه الجلسة.
واعتبَر جريج أنّ «مجلس الوزراء متعثّر والأداء الحكومي ليس جيّداً طالما إنّنا لم ننتخب رئيس الجمهورية بعد».