لا يوجد أصعب من أن تحكم على قضية أو مسألة يشوبها العديد من الضبابية والشك. فحكمك سيكون قائما على أسس غير متينة ومتحركة قد تؤدي بالبنيان إلى التزلزل فالإنهيار.
والدين اليوم, وخصوصا الإسلام, يعاني من هكذا وضع.
أصبح الإسلام غريبا قد صدق رسول المحبة والرحمة محمد(ص) لأنه بات محاطا بالعديد من الآفات التي صنعت بأيدي المسلمين أنفسهم ومحتويا على العديد من الحشو والزيادات المصطنعة عبر الزمن.
ما الحل؟                            
أنطلق أحكاما على إسلام اليوم كما هو؟ ونقول هذا هو إسلام محمد والنتيجة ستكون مجموعة من التناقضات بين حكم وآخر سيفقد الدين متانته وقوة منطقه.
الإسلام اليوم محاط بالعديد من الحواجز التي تمنعنا من إعطاء تفسير واضح وجدي له لذلك تحول عبر التاريخ إلى مجرد طقوس وعبادات متكررة روتينية تفتقد للتقوى.
فالحل عندما تواجه مشكلة شبيهة هي العودة إلى الجذور والأصول والغايات الأولية.
فلنعد بالزمن إلى عهد الرسول.
كيف كان عهد الجاهلية قبل مجيء الإسلام؟
لن أتحدث عن تفاصيل ولكن عن الظاهرة العامة التي كانت تحكم تلك الفترة.
كانت قريش تعبد آلهة من حجر وتمر وتقدم لها القرابين وتقيم لها الطقوس وكانت هذه الآلهة مختلفة الأحجام والأوزان لأنها تعكس واقع التمييز الطبقي الذي تعيشه قريش.
ماذا فعل الإسلام؟
الإسلام جاء وخاطب العقل قبل العاطفة والقرابة والدم.
طرح سؤال مركزيا زلزل أركان قريش ودياناتها الوثنية.
أتعبدون ما تصنعون وما تأكلون؟ّ!
قدم الإسلام أطروحة عقلية لقريش قائمة على الغاية والسبب والمنطق بأسلوب روحاني. فلم يهاجم آلهتها أو يسىء إليها بل إعتمد منهج وعملية مترابطة من الأسباب والغايات ليصل إلى نهاية العملية ويقدم دياناتهم على أنها مجرد ديانة وثنية سخيفة وآلهتهم عاجزة , فالعاجز لا يعطي.
ومن هنا يمكن فهم لماذا كانت معجزة الرسول الخالدة هي القرآن الكريم أي كتاب, ولماذا بدأ الوحي بكلمة:" إقرأ" ولم تكن معجزته كباقي معجزات الأنبياء والرسل الذين سبقوه.
فالقراءة والكتاب مرتبطان بالعقل والمعرفة ونبذ الجهل والأمية.
وبخط مواز, قدم الإسلام إلها من نوع آخر, إلها لا يعرف حجمه ووزنه ولا يقاس بمعايير المادة والبشر, إله لا شبيه له ولا ند له يدرك بحقائق القلوب والفطرة  ولجميع الناس وصفته الأساسية العدل والمساواة والإقتصاص من الظالم أكان أبيضا أو أسودا, قرشيا أو شاميا, لا فرق, فالتقوى هي الأساس
 (لا فرق بين عربي و لا أعجمي و لا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى) .الرسول الكريم محمد (ص).
فالإسلام إنبثق من غاية عقلية وفطرية ليكرس التوحيد كأصل لباقي متفرعات الدين وهذا هو جوهر الدين.
فكل فروع الدين وتصرفات المسلمين وطقوسهم فارغة ولا معنى لها إذا تعارضت مع أصل التوحيد والعقل.
وعندما نصل إلى الوعي الذي نفهم فيه أن الإسلام قائم على التوحيد الصرف والفهم العقلي سنجد أن هذا الدين هو في خدمة الإنسان لا العكس فالله يعطي ولا يحتاج.
والمسلمون اليوم وفي واقعهم المرير إبتعدوا عن جوهر الدين وتمسكوا بالرواسب وقدسوها وحولوا الدين إلى مؤسسة بعد أن كان رسالة وجعلوا الانسان في خدمة الدين لا العكس فأفقدوا الإسلام حركيته ونزعوا ثوب التقوى عن شعائره فأصبحت فارغة وطقوس لخدمة الطقوس لا لخدمة الإنسان التي تتمثل بالتغيير المستمر على طول خط التاريخ والجغرافيا.
فلن نفهم الدين إلا حين نعود إلى جوهره وفهم الأصل وحينها سنعرف أي دين وأي نعمة نملكها لا ندرك قيمتها إلى اليوم وأي توفيق من الله نفقده.
(إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) الآية:11 سورة الرعد.