ثمة معضلة (هي في الواقع مشكلة )عند المتدينين التقليديين تشكل عائقا في مسار حياتهم الاجتماعية وفي تعاملهم مع الآخر المختلف دينيا , ويعود سبب ذلك الى عدم تقبلهم فكرة التعدد الديني في مجتمعهم بل عدم اعترافهم بالتعدد الديني اصلا لا في مجتمعاتهم ولا في غيرها , وهذه مشكلة فكرية بنيوية في الاجتماع الاسلامي , نرى يوميا نتائجها الانسانية الكارثية حيث تتمثل بصراعات عنفية باسم الدين تشكل اجواء من  الخوف والرعب تقتل انسانية الانسان قبل قتل الانسان جسديا .

  حيث بات التعدد الديني أمرا ضروريا في المجتمعات المعاصرة لما لهذا التعدد  من دور أساسي وفعّال في تجاوز الكثير من المشكلات الاجتماعية والسياسية بل وحتى الاقتصادية , وبالتالي ترسيخ ثقافة التسامح في المجتمع , وتكريس مبدأ الحريات الدينية والاعتقادية , وهذا يساعد الاجتماع الانساني على ان يبتعد عن العنف باسم الاديان الذي نراه في بعض المجتمعات الشرقية ,  اذ ان بعض المجتمعات الاوروبية قد اعترفت بضرورة الاعتراف بالتعدد الديني وان كان ذلك بعد تجارب مريرة من الصراعات الدينية والمذهبية التي ادت الى خسائر فادحة على المستويين المعنوي والمادي الا انها وصلت الى قناعة بان الاعتراف بالتعددية الدينية  هو امر طبيعي وضروري لكونه متفرعا عن احترام حرية الانسان واحترام انسانيته .

مقاربة أخرى تقول ان تضاؤل حجم العنف باسم الدين في اوروبا ليس سببه انتصار الافكار العقلانية , بل التجارب التاريخية المريرة هي التي اقنعت الناس بأن الاعتراف بالتعددية الدينية أقل كلفة وضررا من النزاعات باسم الاديان ...

فهل ثمة امكانية في الفكر الاسلامي للاعتراف بالتعددية الدينية في مجتمعهم من دون خوض التجربة التي خاضها الاوروبي ومن دون دفع اثمان كبيرة كما نشاهد في العراق وسوريا واليمن وغيرها من الدول الاسلامية , وهل ثمة تطورات داخل الاسلام تمكنه مع الوقت ان يجعل من التعددية امرا ممكنا ؟ انا برأيي أن هذا الامر ممكنا ولعل ابرز دليل على السماح بطرح الرأي والرأي الاخر هو ما جاء في القران الكريم " وضرب لنا مثلا ونسي خلقه , قال من يُحيي العظام وهي رميم , قل يحييها الذي انشأها اول مرة , وهو بكل خلق عليم ...." حيث كان واضحا طرح الاراء في هذه الايات وكيف كان النقاش الحر والحوار مفتوحا لطرح الرأي المخالف , ونرى هذا النمط في كثير من الايات القرانية وفي سيرة النبي صلى الله عليه واله وسلم وفي سيرة الخلفاء لا مجال لذكرها هنا .

فلذلك نحن نرى امكانية الاعتراف بالتعددية الدينية في الفكر الاسلامي ويمكن التعايش مع الرأي الاخر المختلف دينيا والابتعاد عن العنف وفرض الرأي بالطرق العنفية , بشرط الابتعاد عن التعصب وترك دعوى امتلاك الحق والحقيقة , وهذا ما قرره القران الكريم حيث قال : يا أيها الذين امنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ اذا اهتديتم " المائدة 105 , " فمن اهتدى فلنفسه ومن ضلّ فانما يضلّ عليها وما انت عليهم بوكيل " الزمر 41