" نشأت الحضارة الإسلامية النيِّرة كلها قراءة للقديم تأسيساً وترجمة وعرضاً وتلخيصاً ، كما إن تاريخ الفكر البشري يقوم على قراءة الجديد للقديم ، لا قبولاً للقديم ولا رفضاً له ، قرأ " كونفشيوس " ديانات الصين القديمة فأنزلها من السماء الى الأرض ، وقراءة " بوذا " الدين الهندوكي القديم ، وحوَّلها من مظاهر ورسوم الى روح وحياة ، وقرأ " ارسطو " إفلاطون فأعاد عالم المثال الى الى عالم الطبيعة ، وقرأ ماركس " هيجل " فحوَّل الجدل من الذهن الى الى الواقع ، ومن الروح الى المادة ، و قرأ فلاسفة الوجود الظاهريات وحوَّلوها من وصف الماهيات المستقلة الى تحليل للتجارب الإنسانية ، بل أنَّ القراءة التأويلية أصبحت أهم التيارات الرئيسية في الفلسفة والنهضة في الفكر العربي المعاصر . "

" ولولا دَفْعُ الله الناسَ بعضَهم ببعضِ لفسَدَت الأرض ." صدق الله العظيم ، سورة البقرة آية 25 أقول للسلفيين هذه آية صريحة واضحة بيّنة ألسنا نحن أمة من خلق الله سبحانه لماذا ترفضون إعادة النظر في التراث  الإسلامي ؟ وتبقون بإصراركم هذا خارج مسلمة التطور التاريخي البشري كله ، فالله سبحانه مع التطور والتغيير وجماهير الأمة تئن من جراحات نظم القمع والإرهاب والضلال والعدوان إن التحول من مادة التراث الى مادة جديدة جديدة يحتاج إلى  إعادة التأويل  وفقاً لنوازل العصر  المستجدة ، وذلك بقراءة النصوص في ضوء العصر ، وقراءة العصر في النصوص ، ولما كانت العصور متغيّرة تغيّرت القراءات ،  وتعدد علم الكلام من القديم  الى الجديد إنّ ضعف الأمة ليس سببه الدين على الإطلاق ، بل تفسير معين  له يقوم على الخرافة والأهواء ، وإنكار السببية في الطبيعة ، وحرية الإرادة الإنسانية ، والمساواة الإجتماعية ، وتبرير السلطان المطلق للحاكم الظالم  ! ، وقد يكون تفسير آخر للدين على أنه ثورة ضد الخرافة والجهل والأهواء من أجل إعمال العقل ، وضد التسلط والإستبداد والقهر والسياسي ،  دفاعاً عن حرية  الإعتقاد والمساواة  بين البشر أحد أسباب تقدم الشعوب ..  !لقد تغيَّرت المصطلحات الوافدة الآن ، من الثقافة اليونانية الى الثقافة الغربية الجديدة ، وأصبحت شائعة في الثقافة العربية ، كما شاعت المصطلحات اليونانية قديماً ، تعبر هذه اللغة من مطالبنا في الحرية ، والإستقلال ، والتنمية ، والتقدم ، والمساواة ، والعدالة الإجتماعية ، كما نشأت مصطلحات حديثة تلقائية تعبّر عن إحتياجات المجتمع ومطالبه الجديدة مثل : النهضة الحضارية ، والثورة الشعبية ، والديمقراطية ، والتغيير الإجتماعي .. وما زال المفكر المعاصر موجهاً بتراث قديم ومدوناً بلغة قديمة ، وتراث جديد وحديث مدونة بلغة حديثة ، لذلك وجب عليه تغيير االألفاظ القديمة الفقهية الشرعية الإشراقية الصورية العقائدية الشعائرية القديمة بألفاظ أخرى أكثر إنفتاحاً على العصر ..إن الإحتماء بالتراث وتأكيد الذات والهوية عمل مشروع " عندما يكون جزءً من مشروع للقفزة والطفرة ، لكن الذي حدث هو العكس ، لقد أصبحت الوسيلة غاية " فالماضي الذي أعيد بناءه بسرعة قصد الإرتكاز عليه " للنهوض " أصبح نفسه مشروع النهضة " لذلك ينخرط السلفي في الماضي " نوستالجيا " كحاضر حي ، يستعيد الصراعات الأديولوجية الماضية ، ويبحث له عن خصوم في الحاضر والمستقبل ترتب على هذا أنَّ " القراءة السلفية للتراث قراءة لا تاريخية ، فلا يمكن أن تنتج سوى نوع واحد من الفهم للتراث هو الفهم التراثي للتراث " كما ترتب العامل العقائدي الروحي العامل الوحيد المحرك للتاريخ أما العوامل الأخرى تابعة وثانوية أو مشوهة  ،  إن الأمم لا تسعيد وعيها ، ولا يمكن أن تستعيد  إلاّ بتراثها ، تراثها النيَّر أو ما يتصل به ، أما الجانب الإنساني العام في التراث البشري كله فهي تعيشه داخل تراثها لا خارجه وإقتباساً من من موقف إبن رشد من علوم اليونان " النظر في الفلسفة والمنطق مما دعا إليه الدين من جهة إعمال العقل والتفكير ، وما نصح به الفلسوف العربي " إبن خلدون  وآخرون " التشبع بالشرعيات عند تناول علوم الأوائل " لتسلم من معاطبها " والإمتلاء بالثقافة العربية الإسلامية النيّرة ، وهي ثقافتنا القومية ، هو إمتلاء بالهوية " والإنفتاح على الآخر بدونها هو الوقوع في الإستلاب والإختراق . إن تجاوز الإستسلام لتقاليد مبرمجة قادمة من عصور قديمة هي غير عصرنا وإستبدالها بمناهج أكثر مرونة ، تمتلك القدرة على إستضافة ، وإستيعاب المعارف الحديثة ، وتمكين المتعاملين معها من تجاوز العزلة والتغرب والإنقطاع الى تنفيذ حوار فعال مع تحديات العصر وهمومه المعرفية والثقافية ، والإعانة على بلورة وصياغة المشروع الحضاري الجديد ..ليس الموقف من التراث هو القبول المطلق كما تفعل الحركة السلفية ، كلا ولا الرفض  المطلق للتراث كما تفعل الحركات العلمانية ، فالتراث متعدد الجوانب ففيه ما عبَّر عن مصالح عصر مضى مثل الجوانب الإشراقية العقائدية والنصية الصورية المذهبية ، وجوانب تعبّر عن مصالح عصرنا هذا مثل : العقلانية والحرية ، والديمقراطية والتعيير والعدل والثورة والإستقلال الناجز ، والوسائل الشرعية للخروج على الحاكم الظالم والجائر و إبطال التوسط بين  الإنسان والله سبحانه  .إن كل نظريات علم عن الإيمان ، والعمل ، والكفر ، والفسوق ، والعصيان .. الخ إنما هي تنظير لأحداث سياسية إختلف الناس في فهمها ..لقد كان الإهتمام بالفعل اللا شعوري الذي يؤسسه ، نقد طريقة الإنتاج النظري أي الفعل العقلي هو وحده النقد العلمي والمهدد لقيام قراءة علمية وأولية والدفع بالعقلنة الى تصفية الحساب إتجاه تصفية الحساب مع ركام  سببه النزعة السلفية التي تطبع بعض تيارات الفكر العربي الحديث والمعاصر لأنها مؤسسة فعلاً على طريقة واحدة في التفكير ، الطريقة التي سماها الباحثون العرب القدامى ب " قياس الغائب على الشاهد " الغائب هنا المستقبل والشاهد سلف "  إي التيارات السلفية وإدعاء حصول المعرفة مباشرة من الله ، لقد ضحوا بجوانب أخرى من التصور القرآني للكون ، جانب النظام والإنسجام في خلق السماوات والأرض وضحى الكثير منهم بالمسؤولية والأمانة  التي حملها الإنسان ..

1- مقتطفات من دراسات للمفكر العربي أ . د .محمد عابد الجابري 2- كتاب المراجعات للإمام : عبد الحسين شرف الدين الموسوي " قراءات " 3 - كتاب  الشرق الأدنى مجتمه وثقافته لمؤلفه كويلر يونغ " قراءات  4 - مؤلف العلم الأميركي جورج سارتون  " قراءات " 5 -  قراءات متنوعة " للفيلسوف المستشرق الفرنسي لويس سيديو " 6 - المفكر الفرنسي غوستاف لوبون " قراءات متنوعة "