بالتعاون بين الجامعة اللبنانية والمركز الاستشاري للدراسات والتوثيق ومؤسسة مطالعات أنديشة الإيرانية ومركز الدراسات السياسية والدولية في طهران وجريدة السفير، انعقد في بيروت مؤتمر: "العرب وإيران في مواجهة التحديات الإقليمية: الفرص، وآفاق الشراكة" وذلك بمشاركة عدد كبير من الباحثين والمشاركين العرب والإيرانيين. مع أن عددا من المدعوين اعتذر في اللحظات الأخيرة عن الحضور فيما لوحظ عدم مشاركة باحثين من دول الخليج. لكن رغم هذا الغياب القسري أو بسبب الظروف السياسية المتشنجة بين إيران والسعودية ودول عربية أخرى، فإن الحوارات والنقاشات التي شهدها المؤتمر اتسمت بالصراحة والعمق وتناولت معظم الإشكالات التي تواجه العلاقات العربية – الإيرانية والأسباب التي أدت إلى توترها وكيفية العمل من أجل تعزيزها أو إعادة الثقة بين العرب والإيرانيين.

ويأتي انعقاد هذا المؤتمر في ظل التطورات المتسارعة التي تمر بها المنطقة العربية والإسلامية والتي تتميز بظروف انتقالية دموية وصعبة ومحاطة بالغموض والمخاطر مما يهدد مستقبل مجتمعاتها ووحدة كياناتها ويلحق الضرر بقضاياها الجوهرية والعادلة ولا سيما القضية الفلسطينية.

واعتبرت الهيئات الداعية للمؤتمر: أن أسباب الأزمات الراهنة في المنطقة لا تعود فقط إلى عوامل الوهن الذاتية أو التدخلات الخارجية وسياسات الهيمنة بل بسبب انطواء دوائر الخطاب على نفسها وانتشار السرديات المتعارضة والمتضادة مما أسهم في إغلاق نوافذ التفاعل الإيجابي بين مختلف التيارات والاتجاهات المختلفة وعدم إطلاق ديناميات التقارب والتسوية والتقدم إلى الأمام .

وانطلاقا من هذه المعطيات والأجواء المحتقنة شكّل المؤتمر مساحة حرة للنقاش البنّاء حول العلاقة بين إيران والعالم العربي شملت معظم القضايا والملفات المتعلقة بهذه العلاقة .

وهدف المؤتمر إلى مناقشة سبل صياغة فهم مشترك للتحديات والمخاطر وطرح الأسئلة والإشكاليات ونقاط الالتباس في قضايا المنطقة والإقليم وصولا إلى تبني مقاربة مشتركة للمبادئ العليا والمصالح والغايات والرؤى التأسيسية والتي يبنى عليها المستقبل والمصير المشترك للعرب والإيرانيين.

واستمرت أعمال المؤتمر طيلة أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس( 31 أيار/ مايو و1و2 حزيران/ يونيو) وشملت جلسات المؤتمر العناوين التالية: المخاطر والتحديات الراهنة في البيئة الإقليمية، قراءات في طبيعة أزمة المنطقة على ضوء تنازع المصالح وانفجار الهويات، دور السياسات الغربية وتدخلاتها في إيجاد بيئة الأزمة، نقد خطاب الأزمة وسردياتها، الإشكاليات والمقاربات المتبادلة، قضايا التباين والنقاش،الدولة الوطنية ووحدة الكيانات وإدارة المشاركة السياسية، الجماعات المتطرفة وتوظيف العنف أو ملء الفراغ، نحو مستقبل إقليمي مشترك وآفاق التعاون، رؤى متبادلة حول العلاقة بين الشركاء، آفاق النظام الإقليمي الجديد: الأسس والمبادئ، مجالات التكامل الاقتصادي والتبادل الثقافي.

والملاحظ أن عددا من المشاركين الذين يعتبرون من المؤيدين لإيران أو حزب الله قدّموا خلال اليوم الأول في المؤتمر مداخلات مهمة حول كيفية الخروج من الأزمة وكيفية إعادة ترتيب المصالح المشتركة بين إيران والعالم العربي في ظل تصاعد الخطابات المذهبية والطائفية والعرقية.

ومن المداخلات الهامة كانت الدعوة التي أطلقها المفكر الأستاذ منير شفيق من أجل إعادة تنظيم العلاقات العربية – الإيرانية – التركية وإقامة نظام مصالح جديد في المنطقة يجمع إيران وتركيا والعالم العربي لان المنطقة تمر بفراغ كبير وتعيش حالة من الفوضى السياسية والأمنية.

أن هذا المؤتمر، رغم وجود الكثير من الملاحظات على طبيعة المشاركين وغياب أطياف مهمة من العالم العربي عنه، يشكل رسالة ايجابية أخرى حول الحاجة إلى تفعيل الحوار العربي – الإيراني والعمل لإعادة بناء الثقة بين العرب وإيران رغم حجم الخلافات والإشكالات العديدة وكل ذلك يتطلب أيضا خطة عمل واقعية وليس إطلاق مواقف وشعارات وأمنيات.

  عربي 21