ليست المرة الأولى التي يقع فيها الأمين العام لحزب الله السيد حسن الله ضحية حسابات خاطئة. بتأكيد فإن المعطيات التي بنى عليها حساباته لاتخاذ القرار الخطير بانخراط حزب الله في الحرب السورية إلى جانب النظام السوري ضد المعارضة هي معطيات مغلوطة وغير دقيقة، فلم يدخل في حساباته أن هذه الحرب ستحصد هذا الكم الهائل من الخسائر البشرية والعسكرية والمادية وهذه النخبة من القادة العسكريين من الحزب.

وأنها ستتحول إلى صراعات دولية واقليمية  مفتوحة على كل الاحتمالات في سوريا،  فقد سبق للسيد حسن نصرالله وفي أعقاب حرب تموز 2006 وخلال مقابلة على إحدى المحطات التلفزيونية المحلية وردا على سؤال قال على الملأ أنه لو كان يعلم أن الرد الإسرائيلي على خطف الجنديين سيتسبب بهذا الحجم من الخراب والدمار والذي أستمر لثلاث وثلاثين يوما من القصف الصاروخي والمدفعي والغارات الجوية التي طالت كافة الأراضي اللبنانية وأدت إلى تدمير أكثر من نصف البنى التحتية في البلد وتهجير نصف الشعب اللبناني عدا آلاف القتلى والجرحى ما كان أعطى الأوامر بخطف الجنديين الإسرائيليين في المنطقة الحدودية. 

واليوم في سوريا فإن قوات نصرالله لم تستطع أن تحقق له نصرا يعتد به يمكن أن ينسبه إلى الله وتعطيه شرف الادعاء بتحقيق نصر إلهي كما اعتاد ان يخاطب جمهوره بعنجهية مغلقة بلياقته المعهودة. حتى النصر اليتيم الذي حققه مقاتلي حزب الله في القصير لم يؤد إلى أكثر من تهجير سكان هذه البلدة الحدودية، وكان له مردود سلبي على الحزب على مستوى الشارع العربي مما افقده الرصيد الشعبي الذي اكتسبه بعد الإنسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في أيار عام 2000،  فحسابات البيدر السوري لم يتطابق مع حسابات حقل نصرالله.

فلا يمكن المقارنة بين بعض الانتصارات المحدودة في أماكن محددة في سوريا بسلسلة الهزائم التي مني بها الحزب على كافة الأراضي السورية، فالسيد حسن نصرالله بنى حساباته على معلومات جعلته يعتقد ان الانخراط في الحرب السورية لمساندة النظام الذي يتلقى الدعم من إيران وروسيا وبعض الميليشيات العراقية قد تكون رحلة صيد، وكان دائما يقدم الذرائع لهذا التدخل وآخرها هو منع الجماعات الإرهابية من الوصول إلى لبنان وذلك بشن هذه الحرب الاستباقية على هؤلاء التكفيريين في سوريا. لكن ما حصل هو العكس تماما.

إذ ان دخوله الحرب أدى إلى استجلاب ارهابيي العالم للمشاركة في الحرب السورية واستهداف لبنان بسلسلة من عمليات التفجير،  ومع مرور الوقت وتفاقم الأزمة السورية بدأت الأمور تتضح بأن حزب الله وقع في المستنقع السوري وأن عناصره سقطت في وحول الحرب السورية خصوصا بعد سقوط هذا العدد الكبير من القتلى والجرحى ومن بينهم قادة عسكريين على مستوى عال من الخبرة والكفاءة والاختصاص في التخطيط والقتال وإدارة العمليات العسكرية واخرهم القائد العسكري مصطفى بدر الدين الذي سقط في انفجار قرب مطار دمشق الدولي وهو شقيق زوجة القائد العسكري عماد مغنية الذي اغتيل في دمشق عام 2008.

وهذا يشكل خسارة كبيرة للحزب على المستوى الأمني والعسكري،  لا شك ان حزب الله في وضع لا يحسد عليه في سوريا، وهو واقع بين فكي كماشة.

فمن ناحية مضطر للأستمرار في هذه الحرب بناءا على أوامر الولي الفقيه السيد علي الخامنئي ومن ناحية أخرى مطلوب منه إيجاد التبريرات لأقناع جمهوره بجدوى الاستمرار في هذه الحرب العبثية،  والجدير ذكره ان إسرائيل هي المستفيد الوحيد من كل ما يجري في سوريا، بما فيه تدخل حزب الله في الحرب هناك حيث يتم استنزافه ماديا وبشريا بشكل مريع، دون أن يكون له أي أمل بمقعد حول طاولة المفاوضات عندما تأتي مرحلة التسويات ...