إذا كان البيان التوضيحي والاستدراكي الصادر عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أمس الاول، قد فتح كوة في جدار الأزمة الطارئة بين «حزب الله» والحاكم، فإن توسيع رقعة هذه الكوة لتصبح بحجم باب مفتوح على تسوية مكتملة، لا يزال يتطلب المزيد من الجهد، سواء في اتجاه بلورة تفسير مشترك لقانون العقوبات المالية الأميركية ومراسيمه التطبيقية، أو في اتجاه إقناع المصارف بعدم التطرف في تدابيرها وقراراتها، الى حد التفريط بالسيادة والعدالة.

ولا يفصل «حزب الله» الاستهداف المالي ـ المصرفي له ولبيئته، عن المحاولات المتواصلة بأشكال مختلفة لتأليب جمهوره عليه وتجفيف ينابيعه الشعبية. وحتى الانتخابات البلدية، كان يراد لها، برأي الحزب، أن تكون مناسبة لإحراجه، وهو يعتقد أن الأميركيين ضغطوا لإجراء الانتخابات، وبين أهدافهم غير المعلنة، محاولة اختبار مدى انفكاك جمهور المقاومة عنها، وصولا الى إشعار الحزب أنه بلا حاضنة داخلية حتى ضمن بيئته الشيعية، مثلما يروّجون أنه بات يفتقد المشروعية الوطنية والغطاء العربي والإسلامي الذي كان يتمتع به في العقود الثلاثة الأخيرة.

وعليه، ينظر «حزب الله» الى حصيلة مرحلتي الانتخابات البلدية في البقاع وجبل لبنان (خصوصا الضاحية الجنوبية)، على أنها إيجابية جدا، ان لناحية نسبة المشاركة العالية، أو لناحية فوز جميع اللوائح الائتلافية من دون أن تسجل هزيمة واحدة حتى الآن، مع حصول خروقات طفيفة في المقاعد البلدية والاختيارية.

وما يسري على هاتين المرحلتين، يسري على الجنوب، حيث تتوقع قيادة «حزب الله» أن يشهد عرسا ديموقراطيا حقيقيا، الأحد المقبل، على أن تشكل كلمة الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في ذكرى أسبوع الشهيد مصطفى بدر الدين، غدا الجمعة، مناسبة لدعوة الجنوبيين الى أوسع مشاركة في الاستحقاق البلدي.

أما على «الجبهة المالية»، فقد التقى وفد من «حزب الله» ضم الوزير حسين الحاج حسن والنائب علي فياض والنائب السابق أمين شري، أمس، وفداً من جمعية المصارف برئاسة جوزف طربيه في مكتب فياض في مجلس النواب.

وقالت مصادر مطلعة لـ «السفير» إن اللقاء كان صريحا، وإن النقاش لم يخلُ من الحرارة في بعض الأحيان، مشيرة الى ان ممثلي المصارف عرضوا خلاله مسار تطور الامور منذ العام 2014، وصولا الى صدور القانون الاميركي، موضحين ان جهودا بذلت مع أعضاء في الكونغرس لإدخال تعديلات عليه قبل ان يستقر على صيغته الحالية. كما أكدت جمعية المصارف الحرص على دور مصرفي متوازن حيال كل اللبنانيين.

وأفادت المصادر ان رئيس الجمعية ومعظم الإعضاء المشاركين في الاجتماع قاربوا النقاط الخلافية مع الحزب بصورة بنّاءة على العموم، فيما «تمايز» مدير أحد المصارف الكبرى الذي أصر على سياسته المتشددة، معتبرا ان حاكم البنك المركزي مخطئ في تفسيره لتعريفات القانون الاميركي ومراسيمه التطبيقية، ومعلنا عن ان مرجعيته في التفسير ليست المصرف المركزي بل مكتب المحاماة الذي استشاره في الولايات المتحدة.

أما وفد الحزب، فشرح مضمون القانون الاميركي كما ورد في اللغة الانكليزية وفي الترجمة العربية، ملاحظا ان هناك مصارف ذهبت أبعد بكثير من النص، كما عرض الارتدادات السلبية لهذا القانون ولنمط تطبيقه على الاستقرار الاجتماعي في لبنان، مذكرا بأنه ليست لدى الحزب حسابات مصرفية أو تحويلات مالية، وبالتالي فإن البيئة غير الحزبية، المحيطة بالمقاومة، هي المستهدفة الاساسية من الاجراءات المتخذة.

وشدد الوفد على الدور المحوري للمصرف المركزي في ما خص التدابيرالمصرفية الواجب اتباعها، داعيا المصارف الى مقاربة مسؤولة، ومحذرا من سوء نية لدى البعض ومن سوء تقدير لدى البعض الآخر على صعيد المبالغة في الانقياد للقانون الاميركي.

وأكد الحزب الاهمية الفائقة لهذا الملف الدقيق، خصوصا لجهة صلته بالاستقرار اللبناني، داعيا جمعية المصارف الى توحيد مقاربتها له، كما طالبها بالاجتماع مع سلامة والاتفاق معه على آلية واضحة ومحددة لتطبيق التعاميم، توفق بين اعتبارات المصارف ومصالح المواطنين والمؤسسات.

وطالب الوفد المصارف بأن تفصل المؤسسات الاجتماعية والتربوية والصحية التي تحمل هوية معينة عن جسم الحزب وكيانه، لأنه لا توجد صلة عضوية بينها وبينه، وبالتالي لا يجوز تحميلها وزر العقوبات المالية المتخذة بحق الحزب.

وأكد الوفد ان الحزب لا يتمترس وراء الطائفة الشيعية ولا يحتمي خلفها، لمواجهة العقوبات الاميركية، بل ان بعض المصارف هي التي تعاقب شريحة واسعة من اللبنانيين بجريرة الحزب.

وابلغ وفد الحزب جمعية المصارف انه حريص على أمرين متلازمين: الاول، حماية استقرار القطاع المصرفي، والثاني حماية حقوق اللبنانيين.

واعتبر الوفد ان البيان الاخير الصادر عن سلامة يمكن ان يشكل نقطة انطلاق لمعالجة الازمة التي ترتبت على التعاميم السابقة التي أصدرها المصرف المركزي، لكنه لا يزال ناقصا ويحتاج الى تصويب واستكمال في العديد من الجوانب، ومن بينها ما يتصل بضرورة ان يعود المفعول الرجعي للآلية التطبيقية التي طرحها سلامة، الى ما قبل تاريخ نفاذ القانون الاميركي، لان هناك مصارف عمدت الى اتخاذ قرارها باقفال حسابات معينة، فيما كان الكونغرس لا يزال يناقش القانون.

كما ان الحزب يعتبر ان بيان سلامة يبقى من دون قيمة قانونية ما لم يصدر في تعميم رسمي.

وعلم ان لقاءات لاحقة ستعقد، بين الحزب وسلامة والمصارف، لمواصلة البحث.

 

 

 

 

(السفير)