واجهة البلد الفكرية والثقافية والحضارية تعكسها هوية ومزاج النخب الموجودة فيه بحيث تشكل هذه الأخيرة المدماك الأساسي للنهوض بالوطن ووضعه على سكة التطور والرقي.

  يعيش لبنان أزمة نخب بكل ما للمعنى من كلمة. فدور النخب الحقيقي هو تصحيح أخطاء الحكام وتسليط الضوء على المشاكل التي يعيشها البلد وإجتراح الحلول لها. ولكي تكون هذه النخب على قدر توقعات الوطن والمواطنين عليها أن تطلق أحكامها وتضع الحلول التي تراها مناسبة على أسس وقواعد أخلاقية بالدرجة الأولى بعيدة كل البعد عن الإزدواجية والإنفصام.

  اليوم تجرى إنتخابات بلدية وإختيارية في لبنان وبطبيعة الحال يطفو على السطح طيف النخب المتواجدة في المجتمع اللبناني. فالنخب اللبنانية من مثقفين وصحافيين وإعلاميين وأساتذة ووجهاء وغيرهم هم من يقودون سفينة المجتمع نحو شاطىء النمو والإصلاح ومحاربة الفساد ويترتب عليهم مسؤولية إظهار الحقائق للشعب اللبناني. وهنا يكمن أهم دور لهم وهو التأثير في المزاج الشعبي والمساهمة في صناعة الرأي العام. ومن خلال هذا الرأي العام يستطيع أي مراقب أن يحكم على نوعية ورقي وجدارة النخب التي تعيش في المجتمع.

  لكن واقع الأمور في لبنان تظهر أزمة حقيقية تعاني منها النخب ذاتها بحيث أصبحت  في خدمة الحاكم وتمارس سياسة تبييض الطناجر له وتبرير أخطائه ووقعت في فخ الطائفية والمذهبية وحبائل الصراع الإقليمي بين محاور المنطقة. فهي لا تمارس دورها الطبيعي المنوط بها من تصحيح أخطاء الحكام والحكومة وتجييش الرأي العام ضدهم بل إختلقت دور خاص بها عبارة عن تبرير مستمر لأزمات يعيشها الوطن نتاج الأداء الرديء للحكام. وهي إذ لا تكتفي  بتبرير هذه الأخطاء بل تحولها إلى قرارات صائبة لا تخدم في الحقيقة سوى مصلحة الزعيم وحاشيته وتزرع في أذهان الشعب فكرة قدسية الزعيم الخالد.

  وحقل التجارب المصغر لعمل وفعالية هذه النخب يختبر في الإنتخابات البلدية والإختيارية من خلال نوعية المرشحين وهويتهم السياسية. فالمرشحون بمعظمهم من فئة النخب التي تعيش في القرى والمدن على إمتداد الجغرافيا اللبنانية ويفتقدون لمزايا الإستقلالية والجرأة والقدرة على الإبتكار وإبداع الأفكار والمشاريع الإنمائية التي تنهض بمجتمعنا بسبب المعايير التي توضع لإختيارهم وهي عائلية وحزبية ولا معنى لسيادة ذاتية لتوجهات وآراء هذه النخب. وعليه تحولت كلمة: " مستقلين" أو " حياديين"  إلى نكتة يضحك عليها الصغير قبل الكبير لعدم صدقيتها وفعاليتها في الإنتخابات.

  فالحكام والأحزاب أدركوا أن النخب هم طليعة المجتمع والقوة الأساسية القادرة على خلق التغيير من خلال ما يصطلح على تسميته بالمجتمع المدني. ولإدراكهم مدى حساسية وأهمية وخطورة هذا المجتمع قام زعماء لبنان بالقضاء على مكونات هذا المجتمع من نخبه وأبنائه وإستبدلوه بمجتمع مواز ونخب شبيهة به بالشكل فقط لتخدم توجهاتهم وأفكارهم بإستثناء البعض  بدءا من البلدية في القرية وصولا إلى الوطن ما أدى إلى هذا الوضع المترهل الذي يعيشه اللبناني كل يوم من تلوث وفساد وسرقات وإرتفاع أسعار وشلل في المؤسسات وزيادة في منسوب الطائفية والمذهبية على حساب الهوية الوطنية.

  لذلك هذا العام تشكل  الإنتخابات البلدية والإختيارية نموذجا عن الوضع المأساوي الذي تعاني منه نخب لبنان وإنهيار سلم القيم الديمقراطية والمدنية في المجتمع.

  فلا نهوض لأي أمة من دون نخب حقيقيين،  ونهضة الشعب اللبناني تبدو بعيدة بل مستحيلة...