بالرغم من اليأس المفرط الذي يعتري الناس في كل المناطق اللبنانية , وبالتالي يجعلهم مستسلمين لقرارات القوى السياسية والحزبية , حيث يتوقعون نتائج الانتخابات البلدية مسبقا , كما كانوا يتوقعون نتائج الانتخابات البرلمانية ,وهذا مرده إلى سببين أساسيين , الاول متعلق بقانون الانتخابات على مستوى النيابة , والسبب الثاني متعلق بكلا الاستحقاقين البلدي والنيابي , وهو وجود القوى السياسية التي تتحدى الناس في موقع القرار السياسي والامنى , مما يتيح لها إمكانية التزوير بكل مقدمات العملية الانتخابية وبنتائجها أيضا , وهذا قد حصل بشكل علني في كثير من المناطق وعلى مرأى من الجهات المراقبة للإنتخابات التي ساهمت في التزوير والغش .

إلا أن ثمة فرق بين الانتخابات البلدية وبين الانتخابات البرلمانية , تكمن في ان الاولى هي أكثر دقة في الاستفتاء على شعبية اللوائح في القرى والبلدات , ولا تتيح للوائح السلطة التحالفات الاوسع كما هي في الانتخابات البرلمانية التي يشوهها قانون الانتخابات المشوّه بالاصل والذي لا يمكن من خلاله تحصيل التمثيل الحقيقي للناس .

هذه الانتخابات على الابواب , ونرى أن ثمة قلق عند بعض القوى السياسية والحزبية , ليس من أصل الانتخابات والفوز , بل إن القلق متعلق بنسبة الاصوات التي سوف يحصلون عليها , هذا القلق هو قلق معنوي يدل على السقوط  المعنوي في نفوس الناس , وإن فزتَ بقانون أكثري متخلف , إلا أنك عندما تفوز بنسبة 25 بالمئة وما دون , فهذا يعني أنك مرفوض من الاكثرية , ومثالٌ على ذلك هو الفوز الذي حصل للائحة النبطية في الدورة الماضية والذي كان بنسبة 27 بالمئة وما دون , فهذا ليس فوزا في الواقع , بل هو إستلاب لإرادة الاكثرية ولإرادة الناس , وبالتالي يرد الناس بالاحجام عن التصويت .

فعندما تحصل على نسبة قليلة من الاصوات , وقليلة جدا , وتبقى مصرا على تمثيل الناس , فأنت لا تحترم إرادة الناس ولا كرامات الناس ولا عقول الناس ولا تحترم نفسك أيضا , لأن الذي يحترم نفسه يتنحى جانبا عندما يشعر بانه غير مرغوب فيه .

مع أن هذه الانتخابات  البلدية ليست ذات أهمية سياسية , بالقدر الذي يصورونه البعض , وخاصة الاحزاب السياسية وبعض القوى التي تحاول أن تعوّض ما خسرته خلال مسيرتها السياسية الفاشلة , وما نراه من إصرار ومن حماس في بعض المناطق وخاصة في بيروت , وعند الاحزاب الاخرى , مع عدم أهمية الانتخابات البلدية , إنما يهدف إلى الاستحصال على نسبة أكبر من الاصوات , لأنهم يعرفون تماما أن الناس قد تُحجم عن التصويت , لأنها قد نفرت منهم ومن سلوكياتهم ومن الفوضى التي كرسوها في المناطق , المتمثلة بإهمال مصالح الناس .

فالانتخابات على الابواب , وفي الامتحان يكرم المرء أو يُهان , وهذه فرصة لا تتكرر للناس كي تحاسب من ظلمها ومن إستعبدها , ومن إستلب إرادتها , وضيع مصالحها , وإستاثر بالمال والسلطة على حساب الانماء والتجديد .