على طريقة الإعلان الذي يقول:"بيي أقوى من بيّك"، أثبت مسار الإنتخابات البلدية في معظم المناطق اللبنانية، وبالأخص في المدن الكبرى، أن "تكوكب" العائلات في وجه الأحزاب قد تخطّى بأشواط معظم الأحزاب، سواء المتكتل والمتحالف منها أو المتخاصم والمتنافر، أو تلك التي ما بين بين، وتحاول جاهدة السير في ركب الموجة العائلية الطاغية على المشهد الإنتخابي بنسخته البلدية، مع ما يعنيه ذلك من دلائل إلى فشل مزدوج للأحزاب، وعلى المستويين السياسي والإنمائي، وما يمكن أن تحمله هذه الظاهرة المحصورة ضمن البلدة الواحدة من مؤشرات مستقبلية قد تنعكس على الأداء السياسي لكل فريق أو حزب من افرقاء الساحة السياسية.

    وفي ما يشبه التبرير لفشل معظم الأحزاب في السباق البلدي، عكس ما كان يتوقعه البعض، فإن الإنتخابات البلدية هي شأن محلي بحت محصورة مفاعليه ضمن دائرة العائلات، وهي في الأساس شأن إنمائي أكثر منه سياسي بمفهومه الأشمل.

  ولو كان هذا التبرير، وفق منطق الأحزاب، صحيحاً أو معللاً بالحجج والبراهين، لكان الأصح أن تتعاطى هذه الأحزاب بالشأن الإنمائي المناطقي اسوة بإهتمامها بالشأن السياسي، حيث أثبتت الوقائع فشلها في هذا المضمار، ولعل عدم التوافق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية الدليل الساطع على ما بلغه فشلها على المستوى السياسي.  

وفي مراجعة لما آلت إليه هذه التجربة يمكن استنتاج الآتي:  

أولاً: لقد بلغ الوعي لدى عامة الناس حدود رفض الواقع الحزبي، الذي لم ترَ فيه ما يحقق لها ما تطمح إليه على المستوى الإنمائي والخدماتي بالمعنى الحصري للكلمة، وبالأخص في ما يتعلق بالبلدات والقرى التي تعتبر نائية أو مهمشة في خارطة إهتمامات هذه الأحزاب.

  ثانياً: تُعتبر هذه "التكويعة" نوعاً من ردّة فعل طبيعية من قبل المواطنين الذين حرموا، لمرتين متتاليتن، من حقهم في المشاركة الفعلية في إعادة تكوين السلطة على المستوى الوكالة النيابية.

  ثالثاً: بغض النظر عن محدودية وقوف العائلات في وجه الأحزاب "بلدياً"، فإن ما ما يُنتظر من مفاعيل غير مباشرة عن هذه الخطوة قد يلاقي مساحة واسعة في الميدان السياسي، وبالأخص في أي تجربة انتخابية مقبلة، في حال تمَ التوصل إلى قانون جديد للإنتخابات يعتمد النسبية.  

رابعاً: لا يمكن فصل "انتفاضة" العائلات العفوية، وإن لم يكن مخططاَ لها، عما جرى من تحرك مدني للمطالبة بمحاسبة رموز الفساد بكل مستوياته ومندرجاته.

  خامساً: من شأن هذه الحركة العائلية أن تعيد الأحزاب إلى الغاية الأساسية، التي قامت من أجلها، وهي تمكين المواطن على الوصول إلى ما يحقق له طموحاته ومراميه.

  وفي اعتقاد أكثر من مراقب أن هذه التجربة يمكن وضعها في خانة بداية التغيير والمحاسبة عبر حقه الدستوري من خلال صندوقة الإقتراع.

لبنان 24