من المعلوم أن الأرواح تذهب بعيدا عن الدنيا إلى عالم البرزخ لكن بعض الذين يقرون بأن الشهداء أحياء في عالم آخر غير عالم الدنيا ،إلا أنهم يقولون : لما كان الشهداء أحياء فإنهم يطلعون على أحوالنا ! فنقول : من الواضح أن قولهم هذا غير صحيح لأن حياة الشهداء لا علاقة لها بعلمهم ومعرفتهم بأحوالنا ،لأنه ليس هناك تلازم بين الحياة وبين العلم بكل شئ والإحاطة بكل مكان ،فرسول اللهء(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن له علم بما يجري لجيرانه ومجاوريه إلا إذا أعلمه الله أو أخبره الناس بذلك كما حصل عندما قتل عدد كبير من أصحابه في بئر معونة ولم يدر بذلك . وفي معركة أحد ، أصيب بحجر في جبينه وشفته وفكه ولو كان له علم مسبق بذلك لأبعد رأسه عن الضربة وانحرف بعيدا عن الضارب حتى لا يصاب بذلك الحجر .

وقال الله تعالى :{وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم }(التوبة : 101). مما يدل على أن النبي الأكرم(ص) لم يكن له علم بنفاق بعض أتباعه ،بل كان يعجبه كلام بعضهم دون أن يعلم بذات صدورهم وحقيقة نفاقهم كما قال تعالى :{ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام}(البقرة : 204)، فإذا لم يكن رسول الله(ص)حال حياته عالما بكل مكان ولا مطلعا على كل شئ ،فالشهداء أيضا لا يلزم أن يطلعوا وهم في حال"الحياة البرزخية" على كل مكان وكل شئ ، وبالتالي فالحياة الأخروية مثلها مثل الحياة الدنيوية لا تستلزم العلم بكل شئ ،فاطلاع الذاهبين على أحوال الباقين يحتاج إلى برهان ودليل .

أضف إلى ذلك أن الآية تقول :{...فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}(يونس :62) مما يدل على أن الشهداء لا اطلاع لهم على كل مكان ،بل يذهبون إلى مكان لا خوف فيه ولا حزن ولا غم ولو اطلعوا على آلام وعذاب ومعاناة زوارهم لماتوا كمدا وغصة عليهم . فمثلا لو اطلع الرسول(ص) أو أحد الأئمة عليهم السلام على آلام ومصائب ومشاكل الناس لاكتأبوا وأصابهم الحزن والغم وغدت"دار السلام" بالنسبة إليهم دار غصة وحزن ، ولسلبت منه الراحة في عالم البرزخ وتبدل نعيمه إلى ألم وعذاب ! على أن الله ينعم على المؤمنين الصالحين ولا يضيع أجرهم ويمن عليهم بمقام كريم في جنة "دار السلام" ثوابا على أعمالهم وحياة أفضل آلاف المرات من الحياة الدنيا لا أنه يجعلهم يعيشون في حزن دائم ويعانون من غصص أخبار الدنيا. فالآية :{ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} ( آل عمران :169)، تعني ذلك المكان الذي أشارت إليه آسيا زوجة فرعون حين قالت :{...رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ...}(التحريم : 11)فاتضح أن عبارة"عند الرب" فعند الله وعند الرب عالم غير هذه الدنيا الفانية .

فإن قال قائل : إن الله لا يحده مكان وتستوي إليه جميع الأمكنة فمن كان عند الله أو عند ربه فإنه يكون في كل مكان . قلنا : إن كان الأمر كذلك لصار كل كافر ومنافق وظالم بعد موته عند الله أيضا حتى لو كان يعذب في قبره، لأن الله محيط بالجنة كما هو محيط بالنار ،وعندئذ لا تبقى هناك خصوصية للشهداء بأنهم"عند ربهم" مع أن هذه العندية مقام قرب اختصهم الله به ،ويقصد به أنهم في الواقع في عناية الرب وعند رحمته  وهو  المقام الذي الله ب"دار السلام" تمييزا له عن"دار العذاب" فلم يقل الله أن الشهداء الله أن الشهداء والصلحاء سيصيرون إلى دار العذاب عند ربهم ! بناء على ما ذكر فإن أرواح الأنبياء والصلحاء  والشهداء لا علم لها الدنيا ،كما أن تلك الآية تدل على أن أرواحهم ليست في قبورهم في الدنيا ولا حولها .