من المهم جدا معرفة الاصطلاح وما يحمله من معنى وإرتباط المصطلح بآثاره في الصراع الفكري , والازمة الحضارية المعاصرة , والاسباب التي أدت إلى هذا المستوى من الانحطاط المشهود في العالم الاسلامي الراهن , بعد أن كان في الريادة في بعض العصور التي سُميت بالذهبية لما ساد فيها من عوامل نهوض حضارية .

فالصراع الحضاري اليوم , والازمة الفكرية التي تصاحب الصراع ,  قد إتسعتا بشكل ينذر بتكثيف الهموم الانسانية , مما يتطلب البحث عن جذور الازمة  قبل طرح الحلول المناسبة لها  وللمرحلة المعاشة والتي تلقي على عاتق الانسان اليوم جملة من المشاكل تشمل صميم الحياة وصولا إلى الخطر الوجودي لبعض المجتمعات , هذا الخطر يهدد أضا بضرب كل الانجازات التاريخية والمعاصرة , بما فيها من صحيح وفاسد , هذا ما يدل عليه سياق المعركة المفتوحة على كل الاحتمالات , حيث ان مكونات الحضارة قد تزلزلت أو قد غابت من المتداول وحلّت مكانها عناصر التفكك .

فاذا كانت الحضارة في مفهومها الحقيقي تمثل مجموعة من القيم الاخلاقية والمبادئ والمعتقدات الدينية , وبالتالي ينبثق عن هذه المبادئ , جملة من النُظم الاجتماعية والتقاليد والاعراف والسلوكيات المختلفة , تعكس في فكر الانسان صورة عن الكون والانسان والحياة , وإن إمتازت بعض الحضارات عن الاخرى بصفات معينة , ولكن هذا الامتياز لا يمنع من أن تلتقي في كثير من المفاهيم والتصورات عن الاشياء .

فالحضارة الاسلامية قد نشأت وتأسست على أساس هدم المفاهيم الجاهلية التي حرفت الانسان الجاهلي إلى مستوى العبثية التي أدّت إلى تفكك المجتمع الجاهلي قبل الاسلام وتحلله من القيم الاخلاقية ومن المعتقدات الدينية الصحيحة , وحل مكان القيم والدين تقاليد وأعراف محكومة لنظم قبلية عشائرية ضيّقة الافق المعرفي  , حاول الاسلام وقد نجح بداية في إستبدال ما هدمه ببناء جديد مؤسس على المعرفة وعلى قيمٍ أخلاقية ومعتقدات دينية جديدة .

هذه القيم الجديدة التي جاء بها الاسلام والمؤسسة على المعرفة , قد ساهمت في إنشاء وتشكيل نظم إجتماعية وسلوكيات أخلاقية أدت إلى بناء حضارة قضت على ما سلف من العبث الحضاري والفكري في العصر الجاهلي , فكانت المعرفة هي الاساس في هذا النجاح .

فما تمر به الحضارة الاسلامية اليوم من ازمات متعددة على كل المستويات , والتي أدّت بها إلى حافة الانهيار , بل إلى الانهيار الكامل , هو بسبب غياب المعرفة وسيادة الجهل الذي تختبئ خلفه كل أنواع الشرور .