الوقفة الإعتراضية التي قامت بها منظمات الشباب في معظم الأحزاب اللبنانية ضد فضيحة الإنترنت غير الشرعي أمام وزارة الإتصالات أظهرت مدى الإستغباء التي تمارسه الطبقة السياسية إتجاه الشعب اللبناني.

فمظهر الشباب المعترض وهو بالحقيقة شعب مؤمن بخيار محاربة الفساد ويحلم بقيامة دولته الموعودة لكنه يمارس  إزدواجية متطرفة في إطلاق وتحميل تهم الفساد للساسة في لبنان،  وهذه الإزدواجية مردها إلى تجذر النفس الطائفي على حساب الوطني في وعي وعقول شباب الأحزاب اللبنانية الذين يصورون زعيمهم على أنه أيقونة في عالم الإصلاح ومحاربة الفساد متناسين ثرواته وممتلكاته وأمواله وحساباته المصرفية ويكيلون  التهم على غيره.

ومتى إجتمعت الإزدواجية مع راديكالية طائفية متجذرة أنتجت نفسا وتفكيرا ووعيا شاذا يستغله الزعيم لتسيير أموره ومصالحه على حساب الشعب اللبناني.

والغريب في الموضوع إجتماع هذا الكم الهائل من التناقضات في مظاهرة واحدة ضمت المستقبل والإشتراكي والقوات والعوني وحركة الإستقلال والكتائب والأحرار وشباب حملة طلعت ريحتكم التي إنسحبت فيما بعد.

وهذه التناقضات سرعان ما بانت من خلال الهتافات والأعلام الحزبية وغياب الشعارات الوطنية لأن صلب الموضوع هو محاولات حثيثة ومستمرة تمارسها الطبقة السياسية لإبعاد تهم الفساد عنها وإلصاقها بغيرها فكانت التظاهرة أقرب إلى حفلة من المزايدات على الآخر وتسجيل نقاط ما أفقدها الإنسجام والتناغم وأدت إلى مناوشات كلامية بين الحاضرين.

علما أن نفس هذه الأحزاب وغيرها هم من خونوا وحاربوا وأفشلوا الحراك المدني الذي تحرك منذ أقل من عام ضد فضيحة النفايات والفساد المستشري.والمبكي المضحك أنه خلال الوقفة بدأ بعض الشباب المشاركين يتهمون بعضهم البعض بالمسؤولية عن الفساد أضف إلى أن كل منظمة شبابية أرادت تسجيل موقفها من خلال كلمة ألقاها ممثل عنها تضمنت شعارات رنانة إعتاد عليها اللبناني وضجر منها.

فالقصة ليست محاربة فساد أو محاسبة عبد المنعم يوسف بقدر ما هي محاولة جديدة لتبييض صورة أحزاب السلطة أمام الشعب اللبناني الذي للمرة الألف والمليون يجد نفسه أمام حراك حزبي يقدم أطروحات عن الإصلاح والمحاسبة والشفافية ومحاربة الفساد الذي نتج عن نفس هذه الأحزاب وقياداتها.

والمستغرب أكثر أن الفساد الموجود من المسؤول عنه ويتحمله إذا هؤلاء الشباب مقتنعون بأن زعمائهم ملائكة وقديسين؟

وكيف يمكن تحقيق أدنى حد من المحاسبة في ظل وجود هذا التصور في عقول هؤلاء الشباب؟

الكل يتهرب من تهمة الفساد لدرجة أن الأمر يظهر للمواطن بأن الفساد قدر موجود لا مفر منه وبات جزء من ثقافة الدولة وضرورة لإستمرارها ومعيار لقوة ونفوذ زعيمه وحزبه في السلطة. وهذا المستوى من الإستنتاج لا يبشر بآمال وحلول لقضايا الفساد لأن الفاسد في هذا البلد هو من يضع القانون ويسيره لمصلحته ولأن الشعب اللبناني راضي بالأمر لقناعته بمقولة الزعماء التاريخية:"  ليس وقت المحاسبة الآن فالطائفة  في خطر".