للحوار أصوله وثوابته وشروطه , ولا شك ان ثمة عقبات له ولكن عندما  يكون هدف الحوار الوصول إلى الحقيقة بصدق , قد لا تؤثر تلك العقبات على مساره الصحيح , وخاصة غذا كان الحوار عقلاني , يجريه الانسان مع نفسه كما مع الاخر , بتفعيل كل الجوانب الايجابية مع الذات لملاقات الآخر بإيجابياته , ولا يخلو فرد أو مجموعة ولا حتى منهج من السلبيات المتشكلة بفعل طبيعة الانسان التوّاق دائما إلى مصالحه .

وثمة نقاط قوة ونقاط ضعف تلازم المتحاورين دائما , لذا لا بد من أجل إنجاح الحوار التركيز على المساواة بينهما , اي بين نقاط الضعف والقوة , إذ لكل واحد منا نقاط قوته وضعفه بلحاظ كل المسائل الوجودية الحياتية .

وليس بالضرورة أن يكون هدف  الحوار إقناع الاخر بصوابية وجهة نظري , بل يكفي نجاحا له أن يستند إلى التوضيح والفهم والتفهم , لان علاتنا أو علاقة المتحاورين ينبغي ان تكون مبنية على الاعتراف بمساهمة الطرفين في صنع الحاضر والمستقبل , ولكل دور في ذلك من حيث ما يملك من إمكانيات ثقافية وعلمية .

فلذلك ينبغي على المتحاورين عدم التوهم بإمكانية إستبعاد وإخراج الاخر , أو السيطرة عليه , بل ينبغي إقامة علاقة تواصل طوعية إختيارية مع الاخر , والاعتراف له بكل إنجازاته التاريخية والراهنة , والدعم الفعلي له في حل مشاكله مقدمة لحل مشاكل الذات .

يجب ان يكون المحاور صاحب إرادة حرة , ومسؤول عما يقول , وقادر على ما يعِد , وفي المقابل تجب نفس الشروط , فالحوار يستدعي من أصحابه أن يكونوا على مستوى من المعرفة الواسعة , لا أن يكونوا أسيري الطاعة العمياء لمعتقدات وقناعات مليئة بالمشاحنات , والتعصب لمخلفات تاريخية من صناعة الصراع التاريخي السلطوي أو العقدي , وأسيري ثوابت صنعها الانسان لنفسه من خلال عصبويته وتقوقعه النرجسي حول ذاته الدينية والدنيوية , فالحوار يحتاج إلى مساحة كبيرة من التسامح والقلب السليم والعقل المنفتح .

اما عوائق الحوار فلها علاقة بتمايز الاطراف من حيث ان لكل طرف لغته ودينه ونمط تفكيره وسلوكياته , وبهذا يتمايز بل يختلف , وهذا هو معنى الاختلاف الطبيعي المتأصل بطبيعة البشر , ولكن ليست هذه العوائق سلبية كما يتوهم البعض , بل هي جزء من التنوع الذي يغني المجتمعات ويساعدها على التكامل , فثمة مقولة  لاحدهم تقول :" إن الله خلقنا مختلفين ودعانا إلى التعاون والحوار , لكي نعمّر هذه الدنيا بالعدل والسلام ".

فرغم أن هذا الاختلاف يشكل العائق الطبيعي , إلا أنه يفرض نفسه على أطراف الحوار ليكون الحوار أكثر جدّية , ويفرض نفسه واجبا أخلاقيا ودينيا , وهو بوصفه حوار بين مختلفين يشكل بحد ذاته تحدٍ , لكل من يضع قيودا على الحرية والعدالة والسلام .