تظهر الانتخابات البلدية المزمع اجراؤها خلال الشهر المقبل، نوعا من الارباك لدى مختلف القوى السياسية، ومنشأ الارباك ان هذه الانتخابات ستجري في لحظة سياسية باردة. المواجهة هذه المرة لا تتم تحت سقف صراع بين 8 آذار و14 آذار، ولا يشكل العصب المذهبي او الطائفي عنصر تجييش في معظم المدن والبلدات. بالتأكيد ان العوامل المحلية العائلية والحزبية شكلت العنصر المحوري في التنافس على المجالس البلدية في التجارب الثلاث الاخيرة للانتخابات البلدية منذ العام 1998. لكن ظل العنوان السياسي والوطني عنصرا مؤثرا بحيث انشغلت القوى السياسية في انتخابات 2010 في تقسيم الارباح والخسائر بين فريقي 8 و14، وراحت تدرج النتائج بطريقة او بأخرى في سياق الصراع الذي كان على اشده بين الطرفين في ذلك الحين.
الحماسة السياسية للانتخابات البلدية تتراجع، فبعد التفاهم بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، صدر كلام من الطرفين على ان التفاهم سيشمل تعاونا وتحالفا في الانتخابات البلدية. وارفق هذا الكلام بمقولة ان هذا التلاقي بين القوتين المسيحيتين يترجم تمثيلا يساوي 85 في المئة من المسيحيين. وبالتالي بدأ مناصرو الطرفين يتقاسمون افتراضيا المجالس البلدية التي يشكل فيها المسيحيون القوة المقررة.
هذه النغمة تراجعت اليوم، وبدا واضحا ان قيادتي القوات والتيار تحاولان نسيان مقولة ال85 في المئة والانتقال الى مرحلة تقديم تحالفهما باعتباره عنصر توافق بعدما اثار هذا التلاقي ردود فعل سلبية في العديد من البلديات. الحسابات السياسية بدت غير مطابقة للحسابات البلدية، وبدا واضحا ان طموح خوض الانتخابات سياسيا ليس في صالح الطرفين وتتعارض مع الحسابات البلدية.
وليد جنبلاط يدرك ان الحسابات الانتخابية هذه المرة مختلفة عن سابقاتها، وان هدايا سعد الحريري البلدية ليست متاحة هذه المرة. فضلا عن ان تمويل المعارك الانتخابية البلدية بات شحيحا ان لم يكن منعدما. وهذا ما ستشهده مناطق اقليم الخروب والقرى الشوفية تحت مظلة التحالف العوني - القواتي، وفي جانب من المواجهة السياسية والاعلامية بين جنبلاط ووزير الداخلية ما هو متصل برسائل موجهة الى الحريري من قبل جنبلاط، لا سيما ان البعض يتحدث عن معارك بلدية داخل القرى الدرزية بخلاف المرات السابقة. فضلا عن انتزاع ما تبقى من حصص بلدية لجنبلاط في اقليم الخروب بقرار "مستقبلي". ويعتقد بعض المراقبين ان جنبلاط متوجس من علاقات المشنوق وامتداداته داخل البيئة الدرزية على مشارف الانتخابات البلدية.
تيار المستقبل ليس في احسن احواله. ربما ادرك الرئيس سعد الحريري ان ظروف خوض الانتخابات البلدية هذه المرة غير سابقاتها. فلا اولويات سياسية تتطلب مثل هذا الانخراط ولا الامكانات المالية تتيح الانهماك في حملات انتخابية في كل الامكنة. لذا هو مهتم، كما اعلن اكثر من مرة، بانتخابات بيروت وطرابلس وصيدا. اما غيرها من البلديات فيتركها للعائلات، لادراكه ان المكاسب السياسية ليست على قدر من الاهمية تفترض التدخل المباشر من قبل تيار المستقبل في معاركها.
اما في مناطق نفوذ حركة امل وحزب الله، فالثابت السياسي ان الطرفين سيكونان متحالفين في معظم المناطق. وان غاب التحدي السياسي في التنافس الانتخابي، فإن الطرفين يجدان نفسيهما امام عملية صوغ لوائح جديدة في كثير من الدوائر الانتخابية. والى التنافس بين الطرفين على كسب المناصرين، ثمة تحد آخر هو مواجهة مطالب تتصل بفشل معظم المجالس البلدية في مهامها خلال السنوات الماضية. لا سيما ان الانتخابات تمت بفرض التحالف السياسي على البلدات واضفاء البعد السياسي عليها دون سواه. على ان الانتخابات البلدية هذه المرة يجري الترويج لها بتحالف امل وحزب الله على انه رسالة ضد الارهاب التكفيري. وربما يعاد رفع شعار المقاومة في سياق اسكات الاصوات المعترضة من داخل البيئة المناصرة لهما، باعتبار ان التنافس البلدي ومعاركه الانتخابية قد يشكل طعنة في ظهر المقاومة.
القوى السياسية ليست متحمسة لهذه الانتخابات. فنتائجها لن تضيف الى التوازنات السياسية ما يخل بها. بل هي ستزيد من المتضررين. اذ تفرض التحالفات السياسية على الناخبين من فوق، وستكشف اوهام من يريد ان يجير النتائج في الرصيد السياسي.