بعد قمة كامب دايفيد التي عقدت في الرابع عشر من شهر أيار عام 2015 بين الرئيس الأميركي باراك أوباما وقادة دول الخليج العربي فإن نصيحة الرئيس الأميركي لمضيفيه حين ودعهم / حاوروا إيران وافتحوا صفحة جديدة معها /.

وأكد طبعا خلال القمة على التزام واشنطن أمن الخليج،  إلا أنه ومنذ سنة تقريبا فإن طهران لم توحي بأي رغبة لديها بالكف عن سياستها القائمة على تصدير ثورتها خارج الحدود، وفي وقف سياسة استعداء دول الجوار والتعاطي معها بنظرة استعلائية وفوقية وترك مصير كل دولة إلى شعبها، خصوصا بعدما اشتعلت في بعضها حروبا أهلية، فلم تترك مصير سوريا للسوريين والعراق للعراقيين واليمن لليمنيين، بل راحت تزرع خلايا التجسس والتفجير في العديد من الدول العربية والإسلامية. 

فوقوف إيران إلى جانب النظام السوري وتزويده بكافة الإمدادات العسكرية والبشرية والمشاركة في المعارك ضد إسرائيل ثورة الشعب والمعارضة والتحريض على المزيد من القتال والخراب والدمار خير دليل على ان طهران ليست في وارد تبديل موقفها من جهود الأمم المتحدة ومسار جنيف ومرحلة الحكم الانتقالي. 

لا شك أن إيران استفادت من مرحلة إنهيار النظام العربي وحالة التردي التي مني بها العرب بسبب الخلافات والنزاعات العربية العربية لدرجة فقدانهم أي تأثير في تحديد مصير اي دولة عربية وغيابهم عن رسم الملامح لأي نظام يمكن  رسمه للشرق الأوسط، مما أتاح مجالا واسعا لدول إقليمية مثل إسرائيل وإيران وتركيا للمطالبة بأدوار أكثر تأثيرا وذلك خدمة لمصالحها، وبالطبع كل ذلك على حساب مصلحة العرب ونفوذهم في المنطقة. 

وعلى خلفية هذا الواقع العربي المتردي فإن الاندفاعة الدبلوماسية السعودية في المنطقة تعيد رسم ملامح نظام إقليمي جديد على قاعدة استعادة التوازن الذي فقده العالم العربي منذ انهارت مناعته خصوصا بعد تداعيات الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وما أعقبه من اندفاعة إيرانية وهيمنة سياسية وعسكرية على كافة مقدرات العراق بعد انسحاب القوات الأميركية منه.

وما رافق ذلك من ادعاءات ايرانية جاءت على لسان غير مسؤول بأننا نتحكم بأربع عواصم عربية / بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء /، وأن حدود إيران هو البحر المتوسط ، وفيما كانت الولايات المتحدة الأميركية شريكا في أمن المنطقة لكن اليوم فإن الرئيس أوباما ترك للعرب ان يعالجوا مشاكلهم بأنفسهم لكنه لا يتوانى / وهو مشكور بالطبع / عن توجيه النصائح للعرب بالتحاور مع إيران. 

ويبدو واضحا ان هناك هوة ضخمة بين الواقعية السعودية التي تجسدها زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى مصر وبعدها إلى تركيا والتي تنقل التعاون العربي الاسلامي إلى مرحلة التعاضد بدل الخلافات والفعل بدل رفع الشعارات وبين توجهات الإدارة الأميركية التي لم تتفهم المخاوف الأمنية والعسكرية الخليجية من النهج الإيراني الذي يراه أهل المنطقة مدمرا ولا يقل خطورة عن كل ما ارتكبته الجماعات الإرهابية والتكفيرية بما فيهم داعش. 

فالتحرك السعودي الذي بدأ بتشكيل تحالف عربي واسلامي تحت اسم عاصفة الحزم لاستعادة اليمن من الهيمنة الإيرانية وصولا إلى زيارة الملك سلمان إلى مصر وتركيا هو محاولة لفتح صفحة لنظام إقليمي شعاره استعادة التوازن للدور العربي واحتواء الأخطار الهائلة للإرهاب وسد نوافذ التخريب وتنقية القرار العربي من شوائب الاختراقات باعتماد الواقعية والدبلوماسية والاعتماد على النفس.