‏"للمرة الألف نقولها: سنبقى في سورية" عبارة اكد عليها نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم ‏أمس الأول، خلال كلمة له في ذكرى الشيخ البوطي رحمه الله. وزاد، بطريقته في التهكّم على خصوم ‏حزب الله من السياسيين اللبنانيين: "إذا طلبنا منكم أن تقدموا جردة أعمال على نجاحكم بسياساتكم منذ ‏خمس سنوات حتى الآن لوجدنا الورقة بيضاء". وأضاف: "حزب الله سيبقى في سوريا ما دام هناك حاجة، ‏ولا مطالب لنا إلا أن يكون الشعب السوري حرّا في دولته وخياراته، وأن يبقى علم المقاومة مرتفعاً ولو ‏كره الكافرون ولو كره المنافقون".‏
ربما لم ينتبه سماحة الشيخ الى ان خصوم حزب الله ما عادوا مهتمين بعودة حزب الله الى لبنان. فمنذ ‏شاركوه الحكومة الحالية، لم نعد نسمع دعوات تنطلق من قيادات تيار المستقبل، أو غيرها من القوى ‏الحليفة له. ما عدنا نسمع بأيّ تحرك أو دعوات جدية لحزب الله كي يخرج من الحرب السورية واذا قيل ‏فمن باب رفع العتب. اللهم إلا إذا كان الشيخ قاسم يرى في عدم تصفيق هؤلاء لحزب الله، في قتاله على ‏مشارف حلب أو في ضواحي دمشق، دعوة من قبلهم كي يخرج مقاتليه من سورية. وباعتبارهم "عملاء ‏موضوعيين أو مباشرين لإسرائيل وللأميركيين"، كما درج مسؤولو حزب الله وإعلامه على وصف ‏‏"جماعة 14 آذار"، فيجب أن ينتبه سماحته إلى أن الأميركيين والإسرائيليين أنفسهم لا يظهرون أيّ ‏مواقف جدية تدعو حزب الله إلى أن يخرج من سورية. ‏
وكما يبدو لم ينتبه الشيخ قاسم أيضاً إلى مصدر المطالبات الصادرة من لبنان أو مصدر الأسئلة المتنامية ‏لبنانيا حول معنى بقاء حزب الله في سورية وجدواه. فالأسئلة التي لا  جواب مقنعاً لها، والمطالبات ‏بخروجه من لعبة الدم في بلاد الشام، تراها آتية من بيئته أكثر بكثير مما يمكن تلمّسها في بيئات أخرى. إذ ‏أنّ ضريبة الدم محصورة داخل هذه اليبئة، ولم تعد متوازنة مع الحصيلة والنتائج التي بشّر حزب الله ‏جمهوره بها. ‏

فليطمئنّ سماحة الشيخ إلى أنّ خصومه يتمنّون لحزبه البقاء في سورية. خصوصا أنّ المخاوف من ‏انتصاره لم تعد موجودة في أذهان أكثر المتشائمين بمسار تغيير النظام السوري. هم يعدّون خسائر حزب ‏الله كلّ يوم، ويدركون أنّ مسار الخسائر هو ما يمشي حزب الله على خطاه في الدولة الشقيقة. الجميع يدرك ‏أنّ دمار سورية هو الحصيلة الأهم، ولعلّ حزب الله بات يعرف أكثر من غيره هذه الحقيقة. ربما صار من ‏المستحيلات نزع تلك الفكرة التي رسخت في أذهان السوريين على العموم، ومفادها أنّ إيران وأذرعها هي ‏أحد أسباب إطالة عمر الأزمة وتدمير البلاد.‏
سلّة الخسائر كبيرة جدا، وفيما يعدّ بعض خصوم الحزب اللبنانيين ماكينات إعادة الإعمار في سورية، ‏ويتصيّدون منذ الآن فرص الاستثمار في إعمار سورية الجديدة، لا يبدو أنّهم يعيرون بالاً لبقاء حزب الله ‏في أهوال الحرب السورية ولا لخروجه منها. والذهاب نحو الغيبيات لمحاولة تأكيد صحّة قتال حزب الله ‏في سورية هو نوع من الهروب نحو المزيد من الغرق في رمال الأزمة. فقصارى ما يطمح له المتورطون ‏في الحرب السورية، من خارجها، هو أن يظلّوا حاجة أميركية أو روسية، ولا نريد ولا نحبّ أن نقول: ‏إسرائيلية. فإذا كان حزب الله لا يريد التصديق، فهو حرّ، وهذا شأنه وخياره، لكنّ الشرخ المذهبي الذي ‏ساهم في تعميقه، من خلال قتاله السوري، هو وحده كفيل بتوفير الضمانات الأمنية – النوعية لإسرائيل، ‏وضمانة المصالح الروسية والاميركية.‏
مجدّدا نذكر سماحة الشيخ نعيم قاسم وندعوه إلى التدقيق في مصدر الدعوات إلى خروج حزب الله من ‏سورية. دعوات تأتي من الأكثر تألّماً، ومن الذين يدفعون ضريبة الدمّ من دون أفق انتصار، وبلا قضية ‏مقنعة، وأيضا من الذين يلمسون أنّ حجم الأعداء يزداد ويتكاثر من حوله. وليتذكّر أنّ السياسة هي فنّ ‏صناعة الأصدقاء والحلفاء، لا حرفة صناعة الأعداء فقط. بهذه المعادلة يمكن أن يكتشف سماحة الشيخ إلى ‏ايّ من الاثنين حزب الله بات أقرب، إلى بناء الصداقات والتحالفات أو الاكتفاء باستعداء الملايين. ويجب ‏عليه أن ينتبه إلى غياب دعوات جادة لخروجه من سورية من منصّات خصومه؟... وهذا ما يجب أن يقلق ‏منه سماحة الشيخ ألف مرّة.   ‏