جلجلةُ العماد ميشال عون في يوم الجلجة، باتت تختصر مسيرة الآلام الصامتة، فالعلاقة مع «حزب الله» ليست على ما يرام، أقله منذ ترشيح الدكتور سمير جعجع للعماد عون للرئاسة، والذي فتح الباب أمام رياح التفكير بما فعله يهوذا قبل أكثر من ألفَي عام. لم يعد الكلامُ عن البرودة تجاه «حزب الله» في «التيار الوطني الحر» مجرّد استنتاج، فما لم يُقل علناً حتى اليوم، يُقال في الصالونات الضيقة، وتقوله العيون والإيحاءات والرسائل الصامتة، تارة بالامتناع عن ذكر سيرة المقاومة في الأدبيات العونية، بدءاً من عون وصولاً الى نوابه وإعلامه وكوادره، وطوراً بالسكوت عن الكلام المُباح، في سلوكٍ يؤكّد أنّ سؤالاً كبيراً بات يُطرح في «التيار» من القاعدة الى القمة: لماذا لا يريد الحزب عون رئيساً للجمهورية؟

لا تُخفي أوساط مطلعة على أجواء «التيار الوطني الحر» هذا الأسف، لا تُخفي الامتعاض، لا تستسيغ المزيد من الانتظار، فما حصل منذ ترشيح جعجع للجنرال يكفي لإعطاء الجواب، لكنه لا يكفي لتبرير الأسباب.

تقول الاوساط إنّ عون كان متأكداً بشكلٍ غيبي من أنّ «حزب الله» سيبادر فور حصول المصالحة المسيحية، الى جمع قوى «8 آذار» فوراً، والذهاب الى مجلس النواب لانتخاب عون المرشح الطبيعي والميثاقي، لكنه فوجئ بأنّ «الحزب» لم يقم بالحدّ الأدنى بأيّ جهد لإتمام جلسة الانتخاب.

تكشف الأوساط بعضاً من أجواء التفاؤل التي سادت قبل المصالحة مع «القوات اللبنانية»، وبعدها بقليل، والتي لم تدم طويلاً. فلقد كان الجنرال قد حصل مسبقاً على ضماناتٍ من «حزب الله» بأن يأتي بموافقة جعجع عليه رئيساً، «والباقي علينا».

كان الجنرال على ثقة بأنه سيكون الرئيس الجامع في جلسة 8 شباط التي أُحبطت، الى حدٍّ أنّه جهَّز كلّ الترتيبات اللوجستية للانتقال الى بعبدا، والى حدٍّ أنه وضع الخطوط العريضة لخطاب القسم، ورسم تصوّراً كاملاً لدخوله الى القصر الرئاسي، دخول أراده أن يكون مدخلاً لمصالحة وطنية شاملة، لا مصالحة مسيحية.

تضيف الأوساط: فوجئ الجنرال عون بادئ ذي بدء بصمت «حزب الله» لأيامٍ تلت مصالحة معراب، لكنه لم يعطِ الامر بُعداً سلبياً، فقد كان مقتنعاً أنّ حليفه يرتب أموره مع حليف الحليف، لكي يقنعه، «وهو قادرٌ على ذلك»، بملاقاة المصالحة المسيحية، كما أنه كان مقتنعاً أنّ حليفه سيسحب ترشيح النائب سليمان فرنجية، لكنّ الصمت كان طويلاً، واستمرّ الى ما قبل جلسة 8 شباط بقليل، حيث أُبلغ الجنرال من الحزب بأن يمرّر هذه الجلسة، لأنّ توقيتها يحمل بُعداً رمزياً لحليف الحليف (انتفاضة ستة شباط) على أن يبتّ الأمر في الجلسة المقبلة، لكنّ الجلسة المقبلة وما تلاها، كانت كسابقاتها.

لا تحبذ الأوساط المطلعة على أجواء «التيار الوطني الحر» العودة الى الماضي، خصوصاً في العلاقة مع «حزب الله»، التي نسجها الجنرال بقناعة شخصية ووطنية.

ومع ذلك تجري الأوساط جردة حساب طويلة، عما قدمه كلُّ طرف للحفاظ على هذه العلاقة. فالعماد عون الذي دفع الكثير لكي يفكّ الطوقَ عن «حزب الله» بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ذهب الى البعيد من دون حساب.

وقف مع «حزب الله» في حرب تموز، دافع عن الحزب ضدّ مَن اتهموه بالاغتيالات، غطى السلاح في لبنان وفي سوريا والعراق واليمن، شارك بجمهوره المدني الى جانب الجمهور المؤلدج، في اعتصام وسط بيروت، وبارك 7 أيار، لكن بعد كلّ ذلك فوجئ في الدوحة بأنّ اتفاقاً حصل من وراء ظهره، أتى بالرئيس ميشال سليمان، ومع ذلك عض على الجرح، واستمر في دعم الحزب بقوة وعزيمة أكبر.

تتساءل الأوساط بعد هذه الجردة: هل حقاً لا يستطيع الحزب إقناع الرئيس نبيه بري بانتخاب عون، وإذا كان ذلك صحيحاً فلماذا وعد بأنّ «الباقي علينا» إذا ما وافق جعجع. تضيف الاوساط: ألا يعلم الحزب أنّ إقناعه للرئيس نبيه برّي بتأييد الجنرال، وسحب فرنجية، يعني تفكيك ثنائي الحريري جنبلاط وإبطال مفعوله؟ هل يريد منا الحزب أن نذهب إلى مزيد من الالتصاق بالدكتور جعجع؟

وتقول: بلى الحزب يعلم كل ذلك، لكنه يعتقد أنّ الاكتفاء بالتأييد اللفظي، يعني ترك الجنرال يقلع شوكه بيديه، في انتظار أن يتعب وينسحب، لكنّ الجنرال لن يتعب ولن ينسحب، وهو بدأ يقول للحزب في السرّ وليس في العلن: لماذا تركتني؟