الجنوبيون والزعامتان القديمة والجديدة 
ان أول خطوة خطاها المتعلم الجنوبي ,كانت باتجاه حركة القوميين العرب وتفتقاتها الحزبية المتعددة تسلقا لسلم الاولويات من الوحدة الى التحرر والتحرير,وعندما ضاق السلم 
بدرجاته ,تحول الجنوبي المتعلم ومن خلال حزبيته الى حركة متوترة في زوايا الاتجاهات وبطريقة غاضبة على المجتمع وتكويناته البسيطة. 
وبدا بذلك مقلصا لعنفوانه الثوري,ومقللا من الشعارات الضخمة والعناوين الكبيرة,من خلال ربطها بأسباب صغيرة متصلة بالواقع الجنوبي وحيوياته العائلية وبرؤوسها الزعامتية 
المتنوعة. 
لقد استبسل الثوري الجنوبي,وخاض أم معاركه الضارية ضد الزعامات التقليدية ,واعتبر حربه ممرا وطريقا أساسيا للاشتراكية الثورية,ولبلوغ قيمه الثورية تشييدا لمجتمع مركب 
بطريقة تحليلية بيانية وذي نزعة فلاحية تحضيرا لانقلاب جذري على كل الاشكال السلطوية القائمة باعتبارها معوّقات صلبة أمام النهضة الشعبية وما هي الا صنائع استعمارية 
فاقدة لاي مصدر من مصادر الشرعية. 
لم يجذب النص الثوري للمتعلم الجنوبي,الفلاح العاملي الذي استساغ نمطا اعتاد عليه منذ ان وجد آباءه عاكفين على أصنام لهم.وذلك لتلبية احتياجات متواضعة وفي دوائر 
الارتباط المباشر بالزعامة التقليدية ومفاتيحها العائلية. 
وقد اصطدم الآباء بالابناء المتعلمين وكانت الغلبة للزعامة القديمة,ولم يكن أمام المتعلم الجنوبي الاّ الانتظار على رصيف الفرص الآتية مع الحرب الاهلية لاحراز انتصارات 
ظاهرية للاحزاب الوطنية ولكنها بمضامين مرسخة للواقع التقليدي ولكن بأشكال مختلفة وتعبيرات متجددة. 
لقد عبر الجنوبي العادي والبسيط عن ارتباط بالزعيم الشيعي التقليدي بطريقة مجانية ,أي أنه كان يوفر كل امكانياته المتواضعة ليضعها في خدمة الزعيم التقليدي,وبدون مقابل يذكر, 
لأن العلاقة الناظمة بينهما والقائمة على أسس ولائية موروثة من جهة ومتجددة من جهة أخرى نتيجة لسهولة في التواصل العملي والمكاشفة التي تتيح معرفة تفصيلية للشجرات 
العائلية .وكان الزعيم التقليدي يعرف ما يملكه الجنوبي من بقرات ودجاجات وأراضيه الزراعية والمستغل منها لزراعة التبغ,وان كان فقيرا فان الزعيم يعلم عدد أولاده وحجم 
الرغيف الذي يتقاسمونه على وجبتي النهار والليل. 
كانت البنية العائلية السائدة في قرى الجنوب,تتيح وبشكل طبيعي نسخ صور متشابهة لصور العلاقة المذكورة والقائمة ما بين الجنوبي وزعيمه. 
وهذه البنية قد أسهمت أيضا في تعزيز الولاء الطوعي وبدون مكتسبات ,لأن طريق المشايعة والمبايعة كانت دون زلفى وبدون أطر تشكيلية كما تظهرها الانماط الحزبية. 
واتصالا مع الواقع التقليدي يبرز الواقع الجديد وهو مسلح بالاسلحة المشابهة ولكن بتصويبات مختلفة ,ولكنها اسلحة فاتكة كونها محمولة من قبل عناصر غشاشة تدعي 
التجدد والتجديد بعد أن بكت طويلا على قبر الزعامات التقليدية. 
فالجنوبي المتعلم يزحف اليوم بركابه الى دارات الزعامات الجديدة ويقدم نفسه وأولاده وما ملكت يمينه وهو يعبر عن ولائه وارتباطه بشكل دموي وبغيض. 
ومقارنة مع الولاء القديم,فان الجنوبي كان يتحمل عبء الانتماء الى هذا الزعيم أو ذاك ,بضربة عصا أو بلكمة واذا زاد وأقدم على جرح شخص فان السجن آخر ما يصل اليه, 
ولكن سرعان ما يهب الزعيم للتقليص من مدة الحبس ,أو اخراجه منه وبالسرعة الممكنة. 
فيما الزعامة الجديدة تتطلب من المبايع والمشايع المزيد من أعمال القتل,أو التضحية,بناء على استراتيجيات تتجاوز قدرات الجنوبيين,وهذه الاستراتيجيات كانت في أمس الزعامات 
التقليدية غير متوفرة أو موجودة في قاموسها السياسي حتى نظريا. 
وبالتالي فان الولاء التقليدي لم يكن ثورة مجنونة الرياح والاتجاهات ,ولم يتحول الى ثروة ضخمة,ولم يتحول الى سكين سياسي تنزف منه خاصرة الذين ما زالوا على هامش الثورة 
المفتوحة والمتمسكين بخيارات محدودة في وطن تتسع مساحته الجغرافية لشعار واحد من الشعارات التي حملها المتعلمون الجنوبيون,وما زال حملتها يرفعونها كأوتاد مشانق وحبال من لحم. 
في احدى متابعاتها لمسيرات الزعامات الجديدة,قالت أمي السبعينية ونيف:رحم الله الزعامات التقليدية وهي تطل على الجنوبيين من خلال فرس أو جمل,وهي على درجة أقل تواضعا, 
ورحم الله الجنوبي الذي لم يجد حمارا يركبه بغية الذهاب والاياب الى "الطيبة"ووجد دابة رجليه سبيلا للمشاركة في جنازة أو حفل جنوبي...... 
فيما النسوة والفتيات يركبن السيارات الحزبية الفخمة للمشاركة في الاحتفالات اليومية للزعامة الجديدة.......