لم يعد الإنترنت في لبنان وسيلة آمنة حتى للمؤسسات الأمنية والسياسية، فإسرائيل تمتلك عينا في كل حاسوب متصل مع الشبكة العنكبوتية، وفي حوزتها كم هائل من المعطيات التي لا يمكن -وفق خبراء- تحديد حجمها أو نسبة خطورتها وتهديدها للأمن القومي اللبناني.

مواقع جديدة تم اكتشافها، وضعت فيها أجهزة بث وإرسال غير رسمية وغير مرخصة لشركات أجنبية، بعضها يتعامل مع شركات إسرائيلية.

وبينما يحمل بعض اللبنانيين "الدولة المترنحة" مسؤولية الانفلات الأمني والمعلوماتي، يتساءل البعض الآخر عن دور حزب الله، وهو الجهة الوحيدة إلى جانب الدولة التي تمتلك قدرات كبيرة وأجهزة أمنية خاصة.

كما لا يستبعد خبراء عسكريون تعرض حزب الله  للخرق المعلوماتي، رغم وجود شبكة اتصالات خاصة به.

وكان وزير الاتصالات، بطرس حرب، أكد أن "محطات الإنترنت غير الشرعية تتولى تزويد مقرات ومراكز رسمية حساسة بخدمات الإنترنت، ومجانا في غالب الأحيان، وقد وضعنا الوقائع بتفاصيلها في يد القضاء والأجهزة الأمنية والمسؤولين". وبحسب حرب، فإن "الفرق الفنية المختصة في الوزارة اكتشفت تجهيزات تقنية وأنظمة معلوماتية في مواقع مختلفة في أعالي قمم الجبال اللبنانية تعمل من دون ترخيص". 

يذكر أنها المرة الثانية التي يتم الكشف فيها عن خرق كبير للشبكة العنكبوتية، بعد الكشف عن شبكة الباروك عام 2009، التي كانت تستخدمها إسرائيل للتجسس على لبنان، وقد أوقف حينها عدد من الأشخاص بتهمة التعامل مع إسرائيل، غير أن بعض هؤلاء عاود نشاطه من البوابة نفسها بعد إطلاق سراحه.
 
من يتحمل المسؤولية؟
 
وبدوره، رأى النائب عن كتلة المستقبل، جمال جراح، في تصريحات خاصة لـ"عربي 21"، أن الكشف عن "شبكات تخابر إنترنت من دون ترخيص يدلّل على ضعف الدولة ومؤسساتها بشكل عام، ويؤشر إلى غياب التنسيق بين الجهات المؤسساتية اللبنانية".

وأكد أن "من واجب وزارة الاتصالات تزويد الأجهزة الأمنية بالشبكات التي تمتلك ترخيصا؛ ليكون باستطاعة القوى الأمنية تحديد أسماء ومواقع الشركات التي لا تمتلك الأوراق القانونية".

وأضاف: "إن وجود مناطق بمنأى عن الدولة ترتكب فيها أعمال مخالفة للقانون، وسط تغاض فاضح عنها، خاصة أن المتهمين في هذا الخرق سبق أن ثبت تورطهم في واقعة مماثلة في الباروك، لكن لم يتم إدخالهم السجون، كونهم يمتلكون غطاء سياسيا". 

وعن رأيه في موقف حزب الله من المسألة، قال :"من يزعم بأنه يدافع عن الدولة، فعليه أن يسمح لجميع مؤسساتها بالتواجد على الأراضي اللبنانية كافة، فعندما يقيم حزب منطقة معزولة عن الدولة، ليس باستطاعتنا حينئذ تصنيفه بأنه يطبق القانون على جزء من الأراضي اللبنانية، في الوقت الذي يمنع الدولة في الجزء الذي يتواجد فيه".

وفند الجراح كلامه، فقال: "هناك ثغرات ومنافذ ومرافئ يتسرب من خلالها الكثير من الممنوعات، وأعتقد أن المعدات المهربة الخاصة بشبكات الإنترنت المشبوهة هربت من تلك المرافئ".

واتهم الجراح حزب الله بأنه يتحمل مسؤولية مباشرة "في إسقاط هيبة الدولة والمؤسسات". وحذر من أن "انكشاف خصوصيات اللبنانيين أمام شركات غير مرخصة أمر خطير جدا".

وتابع الجراح انتقاده لحزب الله، قائلا: "عندما يمنع انتخاب الرئيس يتيح الأمر للعبث بالدولة والدستور، وبالأعراف والتقاليد".

ولفت إلى أن: "هناك من يريد بقوة سلاحه فرض الرئيس الذي يناسبه للجمهورية بالقوة".

وعن المأمول من الحكومة اللبنانية لمعالجة أزمة "شركات الإنترنت"، قال: "نحن أمام حكومة غير قادرة على اتخاذ قرار جريء في ما تم الكشف عنه بموضوع الإنترنت والاتصالات؛ لأنها تخاف على وجودها، ليس تمسكا من بعض وزرائها بالمناصب، لكن في حال سقطت هذه الحكومة سقطت معها الدولة، وأصبحت مؤسساتها الأمنية مكشوفة تماما".
 
حنا: حزب الله ليس بمنأى عن الاختراق
 
وعن قيمة ما يمكن كشفه من شبكات الإنترنت غير الشرعية في لبنان، قال الخبير الاستراتيجي إلياس حنا، في تصريحات خاصة لـ عربي 21": "يعد جمع المعلومات جزءا أساسيا في أي صراع  قائم، وقد تختلف الأساليب المتبعة في ذلك".

ورأى أن "الصادم في الموضوع هو تكرار الخرق للمرة الثانية بعد الكشف عن خرق مماثل في منطقة الباروك، وخلال فترة زمنية قريبة"، مستغربا "دخول العتاد والأجهزة الخاصة بالإنترنت وتركيبها من غير أن يلاحظ أحد ذلك".

ولفت إلى أن " إسرائيل ستسعى جاهدة إلى تجميع معلومات عن لبنان بمختلف الوسائل، خصوصا عن حزب الله، وهو ما تعمل عليه تحديدا بعد حرب عام 2006، على وقع الصراع الاستخباراتي والمعلوماتي الدائر على نطاق واسع من العالم".

وأشار إلى أن "الدولة اللبنانية ارتكبت أخطاء كبيرة، فكان من واجبها استدراك ما حصل قبل وقوعه، أو على الأقل أن تتعامل معه بشكل أفضل".

وانتقد حنا وزير الاتصالات بطرس حرب فقال: "ما عبر عنه الوزير لم يكن في محله لجهة التبريرات التي ساقها، مشيرا إلى أن على "الجهة المخولة بالاتصالات، معالجة خدماتها وتطوير قدراتها لتحصين نفسها من الاختراق قبل السعي للحصول على الإنترنت السريع".

وحذر من أن " المؤسسات الأمنية تعتمد على شبكات الإنترنت، التي ربما تكون قد اخترقت، وهو أمر خطير، يدلل على أن الوضع في البلاد سيئ ومتسيب للغاية".

ونبه إلى أن ما يشكل خطرا كبيرا على البلاد هو "عدم معرفة ما تم تحصيله من معطيات ومعلومات، فما حصل هو ضربة مؤلمة للسيادة اللبنانية".

وعن فشل حزب الله في التعامل مع الاختراق -باعتباره الجهة الموازية للدولة من ناحية القدرات اللوجستية والعسكرية والاستخباراتية- قال: "لا يستطيع حزب الله عملانيا أن يراقب دقائق الأمور في لبنان، فمن المؤكد أن الأجهزة تم إدخالها قطعا، ومن ثم قاموا بتجميعها".

ورأى أن حزب الله قد يجد فيما تم الكشف عنه تبريرا يعزز تمسكه بوجود شبكة الاتصال الخاصة به".

وحول قدرة شبكة الاتصالات التابعة لحزب الله على تجنب الاختراقات، قال:" لا أحد بمنأى عن الاختراق، ولكن، ثمة نسب متفاوتة، مشيرا إلى اكتشاف تنصت على شبكة حزب الله" في جنوب لبنان. لكنه بالمقابل أشار إلى أن حزب الله "يمتلك الوسيلة التي تمكنه من ضبط شبكة اتصالاته والسيطرة على مفاتيحها".

 

عربي 21