لأن موعد الانتخابات البلدية من الناحية الدستورية هو موعد يجب احترامه، واستحقاق ديمقراطي يعزز من خيار الانتماء الوطني، واجراء الانتخابات وسيلة من وسائل المحاسبة للمجالس البلدية، وسبيل لتجديد حيوية المجالس البلدية وضخّ دماء جديدة في شرايين الحياة الانمائية والسياسية.
الى جانب هذه المقدمات ثمة اجماع من مختلف القوى السياسية على ضرورة اجراء الانتخابات البلدية في موعدها، فيما وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق اظهر جهوزية وزارته الكاملة لتنظيم العملية الانتخابية، وابدت مؤسسات المجتمع المدني المهتمة بالاستحقاق الانتخابي استعدادها لمواكبة العملية الانتخابية. وهي بدأت منذ اشهر. كما هو حال الجمعية اللبنانية من اجل ديمقراطية الانتخابات من خلال العديد من الحملات الاعلامية والقانونية التي اعدتها في سياق التشجيع على اجراء هذه الانتخابات.
كل القوى السياسية تؤيد اجراء الانتخابات، وان كان ثمة انطباع يجري تعميمه بوسائل مختلفة لدى الرأي العام، بأن تحت هذا الاجماع السياسي المعلن لاجراء الانتخابات البلدية، قرار معاكس تماما وغير معلن تتبناه القوى الموجودة في السلطة، مفاده تأجيل الانتخابات البلدية. لكن مهما قيل عن هذا الانطباع فان المواقف المعلنة تبقى هي الاساس وليست النوايا.
واذا كان اجراء الانتخابات البلدية في مناطق نفوذ التيارات السياسية المسيحية يمكن ان يكون محور اهتمام سياسي عام لما تشكله الانتخابات البلدية من فرصة لاختبار تحالف التيار العوني والقوات اللبنانية ومدى تأثيره في الخيارات المحلية، والبلدية، فانها على ضفة البلديات ذات الغالبية المسلمة، لن تحمل اي دلالة مهمة على الصعيد السياسي. باعتبار ان مناطق الاختلاط السني – الشيعي قليلة جدا. وليس هناك من توقعات في ان يحدث اي طرف سياسي من الجهتين اختراقا يمكن ان يعتد به في الجهة المقابلة.
التغيير في الموازين السياسية غير وارد عموما وان كان في الساحة المسيحية وارد نسبياً. لكن يبقى العامل الانمائي والتنافس العائلي والتحالفات المحلية عوامل مقررة الى حدّ كبير. غير ان استبعاد حدوث تغيير في المعادلة السياسية وتوازناتها القائمة، لا يمكن ان يكون مبررا لتأجيل الانتخابات او سببا من اسباب عدم حماسة اجرائها. لا بل يمكن ان يكون ذلك هو السبب للاندفاع نحو اجراء الانتخابات، باعتبار ان لا خوف من حصول توترات امنية بين المتنافسين. فمختلف القوى السياسية ليس هناك ما يهدد نفوذها ووجودها السياسي، وبالتالي هي مطمئنة على العموم الى ان الانتخابات البلدية لن تؤثر على الستاتيكو القائم على مستوى السلطة والبلد عموما.
يبقى ان اهم ما يمكن ان تستثمره القوى السياسية من اجراء العملية الانتخابية، هو القيام بعملية تعويض عن غياب العملية الديمقراطية داخل معظم الاحزاب اللبنانية. فهذه الاحزاب لم تقم باي اجراء ديمقراطي على صعيد تجديد وجوه قياداتها داخل احزابها. الوجوه القيادية تتولى المستويات العليا والوسطى من دون ان تشعر ان شرعيتها تتأتى من القاعدة الحزبية عبر الانتخاب، بل هي تدرك ان مصدر وجودها وثباتها المقيم يتأتى من فوق، اي من الرئيس او القيادة. وهي فالاحزاب العاجزة عن ان تنمي العملية الديمقراطية داخل بناها التنظيمية، هي احزاب محكومة بالتآكل التنظيمي ومحكومة بالجمود السياسي والفكري.
الانتخابات البلدية تشكل فرصة حتى لهذه الاحزاب لاختبار حيوية قاعدتها من خلال انخراطها في التنافس الانتخابي وطرح المشاريع الانتخابية التنموية، ومجالا لتجديد الاجيال في داخلها من دون المسّ برأسها الحاكم. ليس عاديا ان تبقى البنى القيادية داخل كل حزب هي نفسها منذ عشرات السنين. هذا دليل موت اكثر مما هو دليل حيوية وحياة، ودليل غياب الصراع الديمقراطي داخل هذه الاحزاب. ولأن الاحزاب مطمئنة الى نفوذها السياسي، فهي امام فرصة موضوعية لتجديد نخبها المحلية.  
باختصار: تبدو الانتخابات البلدية فرصة لبنانية. ذلك ان اللبنانيين الذين غرقوا في لعبة الاصطفاف المذهبي والطائفي، امام فرصة لخوض انتخابات محلية من دون ان تمس السقف السياسي الذي تمثله الاحزاب، شرط ان تتيح هذه الاحزاب المجال للتنافس على عناوين انمائية وان تفتح نافذة لتجديد النخب السياسية ولو على المستوى البلدي. رغم كل ذلك نتمنى ان تبقى القوى السياسية داخل السلطة على موقفها والا تتربص فرصة لتعطيلها  اسوة بانتخابات الرئاسة والتجديد للبرلمان.