في تقدير بعض المتابعين أنّ الخلوة التي عقدها الرئيس سعد الحريري، في اليرزة، مع قائد الجيش العماد جان قهوجي، شديدة التعبير في توقيتها وحساسية ظروفها، ليس فقط لأنها تأتي بعد تجميد الهبة السعودية للجيش، بل أيضاً بعد التهديد «الشامل» الذي وجَّهته «داعش» إلى الجيش.

وقد تضمَّن التسجيل المنسوب إلى «داعش - ولاية الرقَّة»، تحريضاً للضباط السنّة في الجيش، إضافة إلى تهديد الحريري مجدّداً، ورئيس مجلس النواب نبيه بري و»حزب الله» والمسيحيين.

وسبق للتنظيم أن وجَّه تهديداته نحو الأهداف إياها في تسجيلات سابقة، لكنّ التهديد الأخير يرتدي أهمية خاصة، لأنه جاء وسط ظروف معيّنة يمرّ بها لبنان.

كثيرٌ من المحلّلين والخبراء في شؤون المنظمات الإرهابية يعتقدون أنّ تهديدات «داعش» غالباً ما تكون بمثابة رسائل سياسية فقط. ولكنهم يضعون في حسبانهم احتمالَ لجوء التنظيم إلى تنفيذ بعضها، وفقاً للحاجة.

وتتحدث المعلومات عن احتياطات أمنية إضافية يتخذها المعنيون بالتهديد «الداعشي» الأخير، سواءٌ في ما يتعلق بأمن الشخصيات، ولا سيما منها بري والحريري، أو في ما يخصّ الجيش ورصد الخلايا النائمة.

ويكمن خطر «داعش» في كونها تنظيماً غامضاً. وعلى رغم الصورة الطاغية عنه، صورة التنظيم السنّي السلفي الذي يعتمد الإرهاب سبيلاً لبلوغ أهدافه، فإنّ عدداً من الخبراء يعتقدون أنّ «داعش» تتجاوز ذلك ليكون عنواناً يتمّ استخدامه من خلال شبكة العلاقات المعقَّدة بين أجهزة الاستخبارات الإقليمية والعالمية.

ويتحدث المطّلعون عن 3 مكوِّنات ينتمي إليها قادة التنظيم:

1 - هناك قادة «داعش» الذين يتحرّكون بدفع جهات إقليمية، عربية وغير عربية، في اعتبار التنظيم جزءاً من أدوات المواجهة الإقليمية مع المحور الإيراني.

ويتردَّد هنا أنّ تركيا وقطر ودولاً عربية أخرى دعمت «داعش» في فترات مختلفة، قبل أن يعمد البعض منها إلى سحب يده من التنظيم خوفاً من ارتداده عليه في الداخل.

2 - هناك قادة من «داعش» تخرقهم طهران وتحرِّكهم، بعدما نجحت في إنتاجهم وتشغيلهم كإطار مموَّه بلافتة السلفية السنّية. ولذلك، يفهم الخبراء لماذا يتعاطى النظام السوري مع «داعش» بطريقة تدعو إلى الاستغراب والتساؤل أحياناً، ولماذا تبدو حدّة المواجهة بين الطرفين معقولة، فيما الحرب قاسية مع «النصرة» وأخواتها.

3 - هناك قادة «داعش» «البلديون»، أولئك الشيوخ المتزمّتون دينياً في سوريا والعراق وسواهما. وهؤلاء هم فعلاً يعتنقون الفكر الإسلامي السلفي، وهم ليسوا نتاجَ أجهزة الاستخبارات الخارجية، ولكنهم باتوا اليوم جزءاً من عملية الاستغلال في لعبة المصالح الخارجية.

وفي النهاية، ينظر الباحثون الكبار إلى تركيبة «داعش»، منذ بداياتها في العراق، على أنها الوريثة الشرعية لجهاز استخبارات الرئيس السابق صدام حسين. فالبعثيون هم أكثر الذين تحوّلوا إلى «القاعدة» ثمّ «داعش»، وفي فترة النفوذ الأميركي المباشر. وستنتهي «داعش» عبوة ناسفة انفجرت ولم يبقَ من أثرها إلّا الشظايا المتناثرة. ولذلك، لن يستفيد أحد من نهايتها.

وبناءً على هذه المعطيات حول هوية «داعش»، يصبح ممكناً البحث في مغزى تهديدها أخيراً باستهداف سياسيين وطوائف في لبنان. ويبدو منطقياً القول إنّ الأجهزة الإقليمية التي تقف وراء «داعش» وتشغِّلها تريد توجيه الرسائل الأمنية في لبنان.

ويكون ذلك إما بالتهديدات فقط، وإما بتنفيذ بعضها. وفي الحالين، تثير التهديدات مخاوف من وجود نيّة لدى بعض الأطراف لضرب الاستقرار في لبنان وابتزاز مسؤوليه وسياسييه، سعياً إلى تحقيق هدف معين.

مَن هم مشغِّلو «داعش» في لبنان؟ وما الذي يريدون تحقيقه في الوقت الحاضر؟