إني عاشرت أناسا هم في موقع المسؤولية الدينية ، يحصرون المصير والمستقبل ،وحتى تفاصيل الأمور الدولية تحت عمامة مخلوق من عباد الله ، وينتظرون بفارغ الصبر منقذا من الخلق وناصرا من الخلق وهاديا من الخلق، بينما المنقذ والناصر والهادي أقرب إليهم من دمائهم ، وهو معهم أينما كانوا وهو الله الذي لا إله إلا هو العزيز الحكيم ،ينسونه سبحانه ويتوكلون على عباده ،وإن نوقشوا في الأمر ، لفوا وداروا ثم ادعوا الزلفى ورجاء الشفاعة ، اللتين برئ الله منهما إذا كانتا في واقع شرك أو جحود :(وما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا ) {الكهف : 26 } . ليس هذا الكلام تنكرا أو إنكارا للمهدي المنتظر ، فإن معظم كلامنا الذي دار حول وعود الله عز وجل بنصر الإسلام في هذا الزمان ،وبميراث الأرض ، وبالفتح المبين الذي تزول معه دولة بني إسرائيل ، كان إشعارا وإشارة إلى قرب موعد بعثه عليه السلام .

ولكن الطامة الكبرى ، التي طم بها أكثر الذين ينتظرون بعثته الميمونة ، هي أنهم نسوا الله ،وتعبدوا لعبده المهدي المنتظر، الذي ناصيته بيد الله ، والذي لا حول ولا طول ولا قوة إلا بالله ،فأخذوا ينادونه ويدعونه ، ويسألونه حاجاتهم ، ويشكون له الزمان والأيام والأقوام الظلمة ، وهو إذا كان بعيدا لا يسمع ،وإذا كان قريبا لا يستجيب ، والدليل على ذلك كثرة دعائه وندائه من قبلهم ،وعدم الإجابة من قبله ، ذلك عبر مئات السنين ، بمصائبها وملماتها وكوارثها ،وظلم الظالمين وغدر الغادرين ، وكثرة الوقعات التي شاب ويشيب لها الأطفال . ثم إذا هم قوموا الحصاد والمحاصيل ، رجعوا بخفي حنين . ومع ذلك ما يزدادون إلا دعاء ونداء وكتابة لافتات : يا مهدي أدركنا ،ويا صاحب الزمان أدركنا ولا مجيب ... فيا الله ،يا ربنا وربهم ،يارب العالمين ، أدركنا وأدركهم ولا تجازهم بأقوالهم وأعمالهم فإنهم لا يعلمون .

ربنا فرج كربات هذه الأمة المسلمة لك ، وآتها ما وعدتها على رسلك ،فإن وعدك الحق ،وأنت العزيز الحكيم ،الحليم الكريم ، وأنت أرحم الراحمين ،وأنت صاحب الزمان، والأزمنه والأمكنة :(مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شئ قدير){آل عمران :26}  



الشيخ عبد الكريم شمس الدين