يقول الله تعالى (ولا تنازعوا فتفشلوا فتذهب ريحكم)، وقال تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا). لا يخفى على أحد عاقل خطورة الهجمة الدموية الداعشية التكفيرية على الأحساء والتي استهدفت الدماء البريئة و أراقتها بغير وجه حق، ورسالة كل العقلاء هي محارية الفكر الداعشي التكفيري الدموي من خلال نشر المحبة و المودة وتعزيز قيم التعايش الاجتماعي بين مختلف الجماعات والتيارات و التأكيد على أهمية وجود السلم الأهلي والانسجام الاسلامي بين المذاهب الإسلامية .

فيما مضى كنا ندعو للوحدة الإسلامية فيتهكم المتطرفون علينا ويحرفون مضمون الفكرة أما اليوم فلا نخوض حربا بائسة في شرح معناها بل ندعو للتعايش والسلم والانسجام الاجتماعي تحت مظلة الوطن وتحت مظلة مكارم الأخلاق من أجل أن نحصن أنفسنا من الفتنة ونحمي أنفسنا وأموالنا و أعراضنا من فتنة قد تعم الكل. ولو أردنا استعراض الآيات و الروايات لوجدناها كثيرة ولكن نقف على بعض كلمات علمائنا الذين هم حملة علوم آل محمد كيف كان تعاملهم مع مثل هذه الفتن وما هي كلماتهم وتوصياتهم ... 1

-في حديث المرجع الديني السيد علي الحسيني السيستاني :  "أن أهل السنة هم أنفسنا، وليسوا فقط إخواننا بل هم أنفسنا" 2- في حديث المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله : "لا فرق بين السنة والشيعة في العقيدة"، موضحاً أن حراس التخلف والعصبية هم فقط من يثيرون مشكلة واختلافاً بين السنّة والشيعة. 3- في حديث المرجع الديني الشهيد السيد محمد باقر الصدر : "إني منذ عرفت وجودي ومسؤوليتي في هذه الأمة بذلت الوجود من أجل الشيعي والسني على السواء، ومن أجل العربي والكردي على السواء، حيث دافعت عن الرسالة التي توحدهم جميعاً وعن العقيدة التي تهمهم جميعا".

ولكن كما يبدو أن الوحدة التي يدعو لها السيد الشهيد يجب أن ترتكز على الإسلام دون سواه "أنا معكما يا أخي السني والشيعي، بقدر ما أنتما مع الإسلام".  في إشارة واضحة إلى الوقوف بوجه كل التيارات المنحرفة والدفاع عن الإسلام وترسيخ عقيدته، محاولاً في الوقت نفسه، الحفاظ على التعايش الاجتماعي والسلمي بين المسلمين و إفشال المخططات الرامية إلى بث بذور الفتنة في الوطن والدين وإحداث القلاقل من خلال النفاذ إلى المجتمع واللعب على أوتار الطائفية لإحداث شرخ فيه. 4- المرجع الديني السيد محمد مهدي الشيرازي : "تجنّب العنف بكل أقسامه، فإن الإسلام دينُ الرحمة والرأفة ، ودين السلم والسلام .. وإن سياسة التكفير والتفسيق سياسة غير ناجحة، وإن صدرت عن بعض أهل العلم أو من يتزيّن بزيّهم ".

إنّ حياة الإمام الشيرازي هي مدرسة في التحرّك الفكري والعملي نحو الوحدة الحقيقية، فرغم كونه مرجعاً دينياً - أي أن وظيفته الرئيسية تتركز في توجيه الناس وتوعيتهم - إلاّ أنه فعل كل ما كان يتمكّن من فعله في سبيل الوحدة الإسلامية، ولا يكلّف الله نفساً إلاّ وسعها.  أن التوعية الفكرية والتحرّك العملي باتجاه تحقيق الوحدة بين المسلمين كلها من فكر السيد محمد مهدي, حتى عدّ ذلك من وصاياه ولفتاته الدائمة.  كثيراً ما تصادف كلمات مثل: (الأمة الواحدة)، (إنقاذ المسلمين)، (إنهاض المسلمين،) فالدعوة إلى الوحدة الوطنية والانسجام الاسلامي هي الرسالة التي أنادي بها دائما في كل وسائل الاعلام و التواصل. والانسجام الإسلامي ليس هي دعوة لترك التشيع والإرتماء بأحضان السنة وليست هي الدعوة للتسنن والإرتماء بأحضان الشيعة . الدعوة للانسجام الاسلامي ليس هي دعوة لتغيير المذهب أو القناعات الدينية بل هي الدعوة إلى التعايش والتلاحم و التآخي ونبذ الفتن و العيش بسلم وسلام مع بقية الشركاء في الوطن ،والشركاء في الاسلام بل وكذلك الشركاء في الانسانية انطلاقا من قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : (الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق).

والدعوة إلى الانسجام تتضمن الدعوة إلى التنسيق بين مختلف مكونات الوطن والعمل المشترك بين مختلف علماء المسلمين بسنتهم وشيعتهم للوقوف بوجه هذه الفتنة التكفيرية الداعشية  لحماية أبناء الأمة من الانجرار للتطرف و التكفير و العداوة والبغضاء والكراهية ومن الانجرار إلى الفتنة وسفك الدماء.

  فماذا وراء هذه الدعوة إلى التنسيق؟    الجواب يظهر جلياً عند إلقاء نظرة على أكثر من حادث للتفجيرات  في المساجد والحسينيات  وما أثارت زوبعة من الاختلافات الطائفية اشترك فيها سياسيون وعلماء ومثقفون وكتّاب وإعلاميون عن علم بما يُدَبّر لهم أو عن عدم علم . 

المهمّ أراد الدواعش وأعوانهم أن يثبتوا لمن يأبى الرضوخ لعقائدهم الضالة بأنهم يمتلكون أكثر من وسيلة للانقضاض على الأمة ، ليس من سفك الدماء و التفجير بل من خلال قتل الانسجام الإسلامي والوطني وتفتيته وهذا هو الأخطر .

من المؤكّد أن الآثار السلبية لهذه الزوبعة، لو استمرت ، سوف لا تقتصر على الإحساء والدمام والقطيف وجيزان ، بل إنها ستضرّ بكلّ البلاد والوطن ، دون استثناء أي منطقة من المناطق، وسوف تؤدّي إلى تزلزل وتفكك اجتماعي في المنظومة الإسلاميّة والوطنية بأجمعها. كما أنها لن تؤدّي أبداً إلى انتصار مذهب على مذهب، بل إلى مواجهات مذهبية طاحنة يحترق فيها الجميع .  طبعاً ، إن وطننا العزيز بقادته وعلمائه وكتابه المخلصين لا يودّون أن تتوسع دائرة هذا الخلاف، بل إن العلماء من سنة وشيعة بذلوا جهوداً واضحة ومشكورة لاحتوائه.  ولكنّ العاصفة مرشّحة دائماً للهبوب، فالجاهلون كُثر، والمتعصبون غير قليلين، وأصحاب الأمراض النفسية موجودون في كل زمان ومكان. ولا يمكن أن تكون كلّ عمليات الاستفزاز التي تُثار هنا وهناك نزيهة من ارتباطات خارجية. 

  فماذا يتوجّب على المخلصين للدين وللوطن؟   الانسجام .. الانسجام على صعيد قادة العالم الإسلامي .. والانسجام على صعيد العلماء.. وعلى صعيد أصحاب الكلمة المقروءة والمسموعة والمرئية..  لا يمكن تحقيق هذا الانسجام طبعاً بالشكل المثالي المطلوب، بسبب الثغرات الطائفية بالخارج . ولكنّ تحقيق القدر الممكن منه ضرورة حياتية تصبّ في مصلحة الجميع. نحن بحاجة إلى الانسجام الإسلامي والوطني . والدعوة هي لجميع العلماء  لكل المذاهب الإسلامية في هذا الدين وفي هذا الوطن ، هو لصالح الحفاظ على بقايا العزة والكرامة، ولصالح إبعاد بلدنا من العبث الطائفي الذي شاهدنا صوراً منه  في الأحساء بالدالوة وفي الدمام بالعنود وفي سيهات بالكوثر وبالقطيف ، وفي جيزان ، كلها في مساجد بيوت الله ونشاهد يومياً صوراً من الارهاب تكلم القلوب في الدول المجاورة أعانهم الله على بلائهم فحري بنا أن نتعظ بهم ولا نفتح باب للفتنة تدخل علينا منه . علينا أن نحافظ على أمن هذا الوطن وعلينا أن نعيش بانسجام إسلامي وعلينا أن نحب بعضنا بعضا وننسى الكره والأحقاد.

  الشيخ أكرم البلادي