في عنوان مقالي أقدم مسالة التقليد بكل تجلياتها بصفتها وهما ووليدا شرعيا وطبعيا لوهم آخر ، وكلا الوهمين كان عبارة عن حل لأزمة وقعت فبها الفرقة الإثني عشرية خاصة.   إن فكرة التقليد والمرجعية مع الاستدلال التلفيقي عليها من عصر الإمام العسكري إلا إنه لم يعمل به إلا قبل أقل من مئتي سنة ، أي مع ظهور اول رسالة عملية كما تسمى في الحوزات العلمية .

  قبل الخوض في إشكالية المفهوم وفجائعية الأزمة لابد أن أشير أن لامشكلة لدينا مع الفقيه ، بل وجوده ضرورة ، بشرط أن لايتجاوز دائرة اشتغالاته التي تتعلق بالفقه ، أما أن يتحول إلى ولي ووصي وتتسع صلاحياته وصلاحيات مؤسسته إلى حد إعطائه الصلاحيات المطلقة في تقرير مصائر الناس ووضعهم في مسارات خاصة فإنه سيتحول إلى ماحذر القرأن الكريم منه في اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا ، والأنكى من ذلك أن تتسع دائرة سماحته ليتحول بقدرة قادر إلى سياسي وفلكي وطبيب وعالم اجتماع ويبدأ يذرع طولا وعرضا وكانه بزاز يتعامل مع قماش ، ومن هنا تبدأ الأزمة.

  مفهوم التقليد خاص بالفرقة الإثني عشرية ، وهذه الخصوصية تجعله محل المساءلة والتعجب ، المساءلة في جذور ودوافع هذه الفكرة المبتكرة التي لا تمت إلى الإسلام بصلة في دائرتها الكبرى أي إذا استثنينا دائرة الفقيه المحدودة ، والتعجب من توسع صلاحيات ما يسمى بالمقلَّد أو المرجع ومؤسسته ، وكلنا يعلم حكايات الأموال التي هدرت ومازالت تهدر تحت هذا العنوان وحسبك أن تلقي نظرة على شارع الوجيهين في قلب لندن لتتعرف على عمق المأساة ، أو تقف عند مصطلح ولاية الفقيه لتعرف خطورة تضخم مصطلح المرجعية وتمددها.   قبيل وفاة الإمام العسكري كان لابد من ابتكار فكرة تضمن استمرار النظرية الإثني عشرية التي تشترط في كل إمام أن يكون ابنا لإمام سابق ، وسأتجاوز هنا عن كونه الابن الأكبر لملابسات تاريخية سبق نقاشها ، كما سأتجاوز عن فكرة إمامة الطفل مع إن مايسمى بالمرجعية التي هي أقل شأنا من الإمامة يشترط فيها البلوغ ، وسأتجاوز مرويات الكليني في كون الأئمة ثلاثة عشر وهو معاصر الإمام الغائب !   

سأتجاوز كل ذلك إلى فكرة السفراء الأربعة الذين كان كل واحد منهم يسد منصب الإمام بطريقة أو أخرى ، مع زعم أكثر من عشرين فقيها إماميا أنه نائب عن الغائب عج ، ثم انقطاع الفكرة إلى فقهاء كان لهم حضورهم كالمفيد والطوسي والصدوق ، مع زعم بعض أتباع المدرسة الإثني عشرية أن هولاء يتصلون بالغائب ليتلقون منه المدد الفقهي ، وهذا الزعم أصلا يجعلنا مطمئنين إلى صواب الفتوى الفقهية أو العقدية ، لأنها خاضعة لرعاية إلهية ، ومع ذلك نجد اليوم من يسخر أو يبطل آراء هؤلاء .

  ثم مع طول فترة الغياب وحاجة الفرقة الإثني عشرية إلى مايسد نقص فكرة الإمامة نجدهم يبتكرون فكرة جديدة وهي التقليد ويطورونها شيئا فشيئا ليستولدوا إماما ولكن تحت مسمى جديد " مرجع " ويجعلون له جميع صلاحيات الإمام ، بخاصة بعد الثورة الإيرانية التي وسعت صلاحياته.   إذن جاءت فكرة المرجعية لسد فراغ في الفرقة الإثني عشرية وذلك ما لا نجده في الفرق الأخرى التي لاتقول بأهمية وجود إمام في كل عصر ، او من ترى وجوده كالنزارية الإسماعيلية .  

إن هذه الإشكالية تجعل الإثني عشرية ليسوا بحاجة لفقيه يفتي في الحلال والحرام ، بل تجعلهم بحاجة لمفهوم اوسع بكثير من الفقيه ، حيث سيسد محلا ضخما ، أي سيمارس ولاية ووصاية خاصة تتصل بأعراض الناس وأموالهم ومصيرهم ، ثم سيدير الصراع مع الفرق الأخرى التي تتنازع على الحقيقة والوجود وعلى امتلاك مفاتيح الجنة.    لعل فراءة كهذه تجعلنا قادرين على تفكيك الفكرة وقراءتها من العمق المذهبي الطائفي ، لتصبح ضرورة مذهبية طائفية اكثر منها حاجة دينية إلهية . 

  علي النحوي