كشفت الاحتجاجات الأخيرة في مصر أن الشارع ما زال متحركا وغير مستقر في ظل استمرار التجاوزات الأمنية التي تبدو في ظاهرها سلوكا فرديا، لكنها بدأت تتحول إلى ظاهرة تؤرق السلطة السياسية.

ويشعر الرئيس عبدالفتاح السيسي بالقلق، إذ يجد نفسه مجبرا على تحمل مسؤولية ما يجري من تجاوزات واسعة من قبل رجال أمن ومن تنامي الفساد.

وقال مراقبون إن المئات من الأهالي الذين تظاهروا في منطقة الدرب الأحمر في القاهرة إثر قتل سائق على يد شرطي، والأطباء الذين احتجوا بالآلاف على استهداف شرطيين آخرين لزملائهم، كانوا يعبرون عن “غضب نبيل” لم يستهدف السلطة السياسية، لكنه قد يتصاعد مع الوقت.

وأشاروا إلى أن رجال الشرطة يريدون استثمار الحرب على الجماعات المتشددة لإخافة الشارع والعودة بهامش الحريات إلى ما قبل احتجاجات 25 يناير 2011 التي أطاحت بنظام حسني مبارك، وهو ما قد يتناقض مع قناعات السلطة السياسية التي تستمر في الرهان على وزارة الداخلية لفرض الاستقرار الأمني كأولوية قصوى.

وقدم وزير الداخلية المصري اللواء مجدي عبدالغفار اعتذارا علنيا الاثنين لكل من تعرض لإساءة أو انتهاك من قبل الشرطة.

وقال اللواء عبدالغفار في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء شريف إسماعيل، “نعتذر لكل مواطن تعرض لإساءة ونعتذر عن تصرفات بعض رجال الشرطة”.

وأضاف “نقبل رأس كل مواطن تعرض إلى انتهاك أو إساءة أو تصرف غير كريم من رجال الشرطة خلال الفترة الماضية”.

ويأتي هذا الاعتذار العلني، وهو الأول من نوعه، بعد تظاهر المئات من المواطنين في حي الدرب الأحمر الشعبي بوسط القاهرة الجمعة الماضية إثر استخدام شرطي سلاحه الرسمي لقتل مواطن يعمل سائق سيارة أجرة إثر مشادة بينهما بسبب خلاف بسيط حول تعريفة نقل بضائع تعود إلى الشرطي.

ويسود منذ بضعة أشهر شعور عام في مصر، ينعكس في حملات على مواقع التواصل الاجتماعي، بأن ممارسات الشرطة وتجاوزاتها عادت إلى ما كانت عليه قبل إسقاط مبارك.

وحتى الآن كانت وزارة الداخلية والحكومة تتجاهلان الانتقادات والاحتجاجات المتكررة لمنظمات محلية ودولية على ممارسات الشرطة وتجاوزاتها.

غير أن نزول المواطنين إلى الشارع للاحتجاج كان بمثابة ناقوس خطر دفع الرئيس المصري إلى التحرك سريعا، إذ استدعى وزير الداخلية غداة مقتل السائق الذي أشعل تظاهرات الدرب الأحمر وأعلن في اليوم نفسه أن الحكومة ستعد تعديلات تشريعية لتشديد العقوبات على رجال الشرطة الذين يرتكبون تجاوزات ضد المواطنين.

وقالت الرئاسة المصرية في بيان الجمعة إن السيسي أبلغ وزير الداخلية بضرورة “وقف هذه التصرفات بشكل رادع ومحاسبة مرتكبيها”، ما قد يقضي بـ”إدخال بعض التعديلات التشريعية أو سن قوانين جديدة تكفل ضبط الأداء”.

وقال رئيس الوزراء شريف إسماعيل في المؤتمر الصحافي الاثنين إن هذه التعديلات التشريعية ستكون جاهزة للعرض على الحكومة الأسبوع المقبل على أن تحال بعد ذلك إلى مجلس النواب.

واعتبر محمد عبدالفتاح أستاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق أن السيسي أصبح في ورطة لإقناع الناس بعكس ما يرونه، لانشغاله في أمور من المفترض أن تقوم بها أجهزة متعددة في الدولة، ما قد يجعل البعض يؤمن أن الوضع القديم لم يتغير.

وأشار عبدالفتاح في تصريح لـ”العرب” إلى أنه “حتى إذا لجأ الرئيس المصري إلى الاستعانة بهيئات تابعة للمؤسسة العسكرية لحل مشكلات مزمنة، كان الاتهام بالسعي إلى ‘عسكرة الدولة’ جاهزا، وهو ما يمنح معارضيه فرصة للمزيد من الانتقادات، التي تضاعف من غضب المواطنين على الرجل، الذي يحاول البحث عن حلول عملية”.

ودعت سكينة فؤاد، مستشار رئيس الجمهورية سابقا، إلى ضرورة أن يتم الاعتماد بشكل عاجل على الكفاءات الموجودة في مصر، والتي لا تريد بعض الدوائر الموجودة في الحكم أن تظهر إلى النور، أو يكون لها دور في الحياة السياسية والاجتماعية.

وقالت فؤاد لـ”العرب” إن السيسي “يواجه حاليا الآلام الموروثة في فكر الحكومات والأحزاب، بأنهم ليسوا أصحاب موقف حاسم مع المشكلات، كما أن طريقة اختيار الوزراء امتداد للماضي، ولم تعد التقارير الأمنية والرقابية الحاكم لصلاحية شغل المنصب”.

المصدر : العرب