قالت مصادر عربية إنّ القرار السعودي القاضي بتجميد المساعدات للبنان، بما في ذلك العودة عن الهبتين المخصصتين للجيش اللبناني ولقوى الأمن الداخلي، يعود إلى اعتبار لبنان “ساقط عسكريا وأمنيا وسياسيا” في يد “حزب الله” الذي ليس سوى ذراع إيرانية.

وتقدّر قيمة الهبتين بأربعة مليارات دولار مخصصة لتسليح الجيش وشراء معدات لقوى الأمن الداخلي. وسبق للسعودية أن زودت الجيش اللبناني وقوى الأمن بأسلحة ومعدات كجزء من الهبتين، لكنها قرّرت الآن وقف ما تبقّى منهما.

ولاحظت هذه المصادر أن عددا من كبار المسؤولين السعوديين لم يعد يخفي فقدان القدرة السعودية على ممارسة أي تأثير في لبنان الذي كان في الماضي من بين الدول الصديقة للمملكة، كما أنّه من بين تلك التي حظيت برعاية خاصة منها.

وشملت هذه الرعاية إيداع مبالغ كبيرة ودائع في البنك المركزي اللبناني تفاديا لتعرض سعر صرف العملة اللبنانية لأي انتكاسة. فضلا عن ذلك، لم تتردد السعودية في تقديم مساعدات كبيرة لإعادة بناء القرى والمناطق التي دمّرتها إسرائيل في حرب صيف العام 2006، مع العلم المسبق للمملكة بأنّ “حزب الله”، الذي افتعل تلك الحرب، كان المستفيد الأوّل من المساعدات السعودية.

ولم يكتف الحزب بأخذ المساعدات من دون شكر المملكة بل صعّد في الأشهر القليلة الماضية من لهجته المعادية، حتى أن الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله بات يعتبر الخطر السعودي يفوق الخطر الإسرائيلي.

وشرح مسؤول لبناني، رفض كشف اسمه، الموقف السعودي بقوله إن المملكة فقدت أي أمل في تغيير لبنان لموقفه في أي مجال كان، خصوصا في المجالين الأمني والعسكري من جهة والسياسي من جهة أخرى.

وأشار إلى أنّه لا يمكن للمملكة متابعة تقديم أسلحة ومعدات للجيش وقوى الأمن في وقت ليس معروفا كمّية الأسلحة المدفوع ثمنها سعوديا والتي ستذهب في نهاية المطاف إلى “حزب الله”.

وأوضح هذا السياسي أنّ في الإمكان التمييز بين الجيش الذي ينسّق مع “حزب الله” في مجالات مختلفة من جهة وبين قوى الأمن التي لا تزال مضبوطة لبنانيا إلى حدّ ما يصفه السياسي اللبناني بـ”المعقول”، لكنّ السعودية ارتأت عدم الدخول في تفاصيل من هذا النوع.

كذلك، هناك استياء سعودي كبير من لبنان على الصعيد السياسي بعد أن عمد وزير الخارجية جبران باسيل إلى الخروج عن الإجماع العربي في اجتماعي وزراء الخارجية العرب ومنظمة التعاون الإسلامي لدى البحث في الاعتداء على السفارة السعودية في طهران وقنصلية المملكة في مشهد إثر إعدام رجل الدين السعودي نمر النمر.

ورفض وزير الخارجية اللبناني في الاجتماعين اللذين انعقدا في القاهرة وجدّة أي إدانة للاعتداء على السفارة والقنصلية السعوديتين.

وكان عدد من المسؤولين اللبنانيين اعتبر باسيل، في القاهرة والرياض بمثابة وزير الخارجية الإيراني وليس وزير الخارجية اللبناني.

وقال السياسي اللبناني إنّ من غير الطبيعي أن تدعم السعودية بلدا عربيا وضع نفسه في خدمة إيران في وقت تخوض المملكة حربا مفتوحة معها على غير جبهة، من البحرين، إلى اليمن، إلى سوريا، إلى العراق.

وأضاف أنّ من غير الطبيعي أيضا أن تشتري السعودية أسلحة تعرف أن قسما منها سينتهي لدى “حزب الله”.

وجاء القرار السعودي بوقف المساعدات للبنان بعد خمسة أيّام من عودة زعيم “تيّار المستقبل” رئيس الوزراء السابق سعد الحريري إلى بيروت بعد غياب طويل تخلّلته زيارتان قصيرتان للبلد الأولى إثر إقرار الهبة السعودية للجيش اللبناني والهبة الأخرى لقوى الأمن، والثانية في مثل هذه الأيّام من العام الماضي في مناسبة الذكرى العاشرة لاغتيال والده، وهي جريمة متّهم “حزب الله” بتنفيذها.

وفيما أعلنت السعودية تجميد مساعدتها للبنان، كان سعد الحريري في طرابلس، وهي ثاني أكبر مدينة في لبنان. وقدّ أكّد منها أنه “باق في لبنان” هذه المرّة. وتعتبر طرابلس معقلا من معاقـــل الطائفة السنّية في البلد وشهدت في السنوات القليلــة الماضية محــاولات كثيـــرة بذلها “حزب الله” لاختراقها.

وتخوّفت أوساط لبنانية من عدم اكتفاء السعودية بتجميد المساعدات للجيش وقوى الأمن وأن يمتد ذلك إلى طرد عدد من اللبنانيين العاملين في المملكة والذين يقدّر عددهم بنحو ثلاثمئة ألف لبناني.

وأعرب الحريري عن تفهمه لقرار المملكة قائلا "وقف المساعدات المقررة للجيش اللبناني والقوى الأمنية جاءت ردا على قرارات متهورة بخروج لبنان على الاجماع العربي، وتوظيف السياسة الخارجية للدولة اللبنانية في خدمة محاور إقليمية".

 

 

 

المصدر: العرب