صحيح أنّ النظام السوري ضرب رقما قياسيا في الصمود بوجه شعبه، ولم يستثن وسيلة دفاعية أو هجومية لبقائه إلاّ واستعملها، من زجّ الجيش في الصراع الأهلي، إلى حرف أهداف الثورة السلمية، ناهيك عن القتل والاعتقال والتهجير والتدمير، واستقدام قوات خارجية حليفة معه، وآخرها السلاح الجوي الروسي.

والغريب أنّ هناك من يعتقد بإمكانية تركيز دعائم هذا النظام المتهالكة، بدعائم مذهبية، في حين أنّه لم يكن في يوم من الأيام نظاما مذهبيا، فلو كانت هذه طبيعته لما صمد نصف قرن من الزمن. ولعلّ سرّ صموده حتى الآن ،هو تركيبته، فهو مُكوّن من طغمة عسكرية استندت على حزب البعث العربي الاشتراكي ذي الاستلهام الستاليني، وصاحب تاريخ في النهضة القومية العربية التحررية.

وقد تمّ صرف نضالات هذا الحزب عن مسارها، بالجنوح نحو الديكتاتورية المحمية بالاستخبارات العسكرية، وقد تحقّق ذلك بالاعتماد طويلا على نُخب مدنية مُتمرّسة في خرق الأعراف الديمقراطية. وقد ألحق هذا النظام، وما يزال،خسائر لم تشهدها سوريا في تاريخها القديم والحديث، وقد أصابت هذه الخسائر الجميع: طوائف وأقليات واثنيات .
  والسؤال ،كيف يمكن إعادة ترميم هذا النظام؟ فقد أُصيب الجيش بأعطاب خطيرة، وكان عماد النظام ويده الطولى، أمّا حزب البعث فقد أصبح أثرا بعد عين، أمّا المدد الإيراني والروسي فهو عارض وعابر، أمّا تضحيات السوريين الجسيمة طوال هذه الحرب المدمّرة ،والتي لا يُعرف متى تضع أوزارها، فهي التي ستصمد وتُثمر وتُسهم في إبداع نظام جديد يلمُّ أشلاء البلد، ويعيد عمرانها وبناء مؤسساتها الديمقراطية.