كشفت مصادر سياسية عراقية أنّ نقاشا حادّا، أقرب إلى الشجار، يدور في كواليس الأحزاب الشيعية العراقية، ويعكس حالة من التوتّر الشديد في صفوف تلك الأحزاب منذ إعلان رئيس الوزراء حيدر العبادي عزمه إجراء تغيير حكومي واسع يشمل تغيير الوزراء المنتمين لأحزاب وكتل سياسية، بآخرين تكنوقراط، بهدف معالجة الأوضاع بالغة الخطورة التي آل إليها العراق على كل الصعد الأمنية والاقتصادية والاجتماعية.

وتمسك الأحزاب الشيعية منذ سنة 2003 بزمام السلطة في العراق، من خلال احتفاظها بالمناصب القيادية في الدولة.

وبعد 13 عاما في الحكم بدت الحصيلة بالغة السلبية، إذ سجّلت البلاد تراجعات كبيرة في مختلف المجالات.

ويعتبر شيوع الفساد في مفاصل الدولة على أوسع نطاق من أكبر المعضلات التي تعرقل جهود إخراج البلد من أوضاعه الكارثية.

ووضع رئيس الوزراء حيدر العبادي محاربة الفساد على رأس أولوياته، لكنه بدا إلى حدّ الآن عاجزا عن تحقيق الإصلاح المنشود في ظلّ ممانعة الأحزاب الشيعية التي ينتمي إليها، لأي تغييرات جذرية من شأنها أن تطيح بكبار قادتها، وقد تفضي إلى محاسبتهم على التورّط في ملفات خطرة.

وتؤكّد مصادر عراقية أنّ أقلّية من الساسة تساند مشروع العبادي الهادف لاستبعاد الوزراء المسيّسين والمجيء بآخرين يكونون تقنيين وخبراء في مجالات عملهم.

وطفت خلال الأيام القليلة الماضية إلى السطح انقسامات في التحالف الوطني الشيعي، الذي ينتمي إليه العبادي، والذي يشكّل أكبر كتلة في البرلمان العراقي، بين داعم لتشكيل حكومة تكنوقراط، وآخر مؤيد بشروط تكاد تكون تعجيزية.

وأعلن المجلس الأعلى الإسلامي، بقيادة عمار الحكيم، أحد أبرز أقطاب التحالف الوطني، والذي يمتلك 28 مقعدا من أصل 328 من مقاعد البرلمان، و3 حقائب وزارية في الحكومة الحالية هي كلّ من وزارة النقل، ووزارة الشباب والرياضة، ووزارة النفط، موقفا جديدا بعد اجتماع استمر لساعة متأخرة من ليلة السبت- الأحد، بشأن الدعوة لتشكيل حكومة تكنوقراط.

وقال المجلس، في بيان أصدره الأحد، إن “الدعوة لحكومة مستقلين، أو تكنوقراط، وإنهاء المحاصصات السياسية من أجل أن تكون صادقة وجدية، يجب أن تشمل الجميع بمن فيهم رئيس الوزراء”. وتعتبر وزارة النفط أكبر “غنيمة” يرفض الحكيم التنازل عنها.

وقالت مصادر عراقية إنّ زيارة وزير النفط الحالي عادل عبدالمهدي القيادي في المجلس الأعلى الإسلامي إلى مراجع النجف آخر الأسبوع الماضي، كانت بهدف الطلب من المرجعية الشيعية دعمه في الحفاظ على منصب وزير النفط، وذلك بعد أن فُسّر إعلان المرجعية امتناعها عن التعليق على الشأن السياسي باعتباره ضوءا أخضر لرئيس الحكومة لإقالة وزراء الأحزاب الشيعية.

وكان اسم عادل عبدالمهدي بحدّ ذاته مطروحا لخلافة حيدر العبادي على رأس الحكومة، وهو ما يفسّر أيضا تلويح عمّار الحكيم بإقالة رئيس الوزراء الحالي.

ومن جهتها أعلنت الهيئة السياسية للتحالف الوطني الشيعي، ضرورة المشاركة الحقيقيّة في إعداد وتنفيذ أي برنامج حكومي، من شأنه أن يُعالج المشاكل الحاليّة.

وبحسب مراقبين فإنّ مشاركة التحالف في اختيار الوزراء ستفرغ التعديل الحكومي المنتظر من محتواه، وقد تعمّق الأزمة، بأن يتمّ اختيار تكنوقراط موالين وتابعين لكبار قادة الأحزاب المشكّلة للتحالف.

وقال التحالف الوطني، في بيان أصدره الأحد، إن “الهيئة السياسية للتحالف برئاسة إبراهيم الجعفري، وبحضور رئيس الوزراء حيدر العبادي، عقدت مساء السبت، اجتماعا شدّد خلاله الحاضرون على أهميّة الإصلاحات التي يُقدمها البرنامج الحكومي في مراحله الأولى، والإصلاحات التي ستقدم الحكومة على إجرائها في المستقبل القريب”.

وكانت أنباء تداولتها الأوساط السياسية العراقية، أفادت بأن وزير الخارجية إبراهيم الجعفري بحدّ ذاته على قائمة الوزراء الذين يعتزم العبادي إقالتهم بسبب عدم الكفاءة، وضعف جهوده في تأسيس علاقات خارجية للعراق مع شركاء يساعدونه على تجاوز أوضاعه الأمنية والاقتصادية المعقّدة.

كما تحدّثت الأنباء ذاتها عن توجّه لإقالة وزير الداخلية محمّد سالم الغبان المنتمي لمنظمة بدر القوية والنافذة، على خلفية تردّي الأوضاع الأمنية وتدهورها بشكل كبير حتى في محافظات الجنوب البعيدة عن الحرب ضد داعش وفي مقدّمتها محافظة البصرة.

وعمليا فإن خسارة الأحزاب الشيعية لوزارات النفط والخارجية والداخلية ستكون أقوى ضربة توجّه لها منذ توليها السلطة إثر احتلال الولايات المتحدة للبلاد وإسقاطها حكم الرئيس السابق صدّام حسين.

 

المصدر: العرب