حين وصل خبر استشهاد الإمام علي "ع" في مسجد الكوفة إلى مسامع أهل الشام أحدث صدمة لديهم فسألوا : وهل كان عليّ يصلي؟!!
  مفاجأة أهل الشام بخبر استشهاد عليّ أثناء إقامته للصلاة مَردُّها إلى الحرب الإعلامية والنفسية التي مارستها ضدّه أجهزة معاوية إبن أبي سفيان حين صوّرت للناس أنّ عليّاََ كان طالباََ للسلطة مُريداََ للفتنة لا يأبه لأمور الدين ولا لشؤون الملسمين.
  وقد صدق الكثيرون تلك الإشاعات مع أن عليّاً كان رمزاً للتقوى والصدق والنبل والتضحية في سبيل أمته وإعلاء كلمة الحقّ ...
    هذا النهج الإعلامي الأمويّ إعتمده الكثير من الخلفاء من بعد معاوية لتشويه صورة معارضيهم لا سيما أتباع أهل البيت "ع"، ودأبت على استخدامه الكثير من الأنظمة الديكتاتورية على مرّ التاريخ كأسلوب ناجح في ضرب صورة المعارضين لدى العامة.
    ولا نبالغ إن قلنا بأن حزب الله هو في عالمنا العربي والإسلامي المعاصر من أبرع من استخدم سلاح الإعلام والحرب النفسية ضد أعدائه وخصومه وحتى ضد أبناء طائفته وبعض أبناء الحزب الذين تمردوا عليه او اعترضوا على سياساته ...
    إنّ لدى الحزب أقسام إعلامية متخصصة في الرصد الإعلامي التلفزيوني والإلكتروني يعمل فيها أفراد مدربون على إدارة الحروب النفسية والإعلامية ومنها إطلاق الإشاعات التي تنتشر بين الناس كالنار في الهشيم لتشويه صورة المعارضين أو الذين ينتقدون توجهات الحزب أو من يرعاه، ويعتمد حجم الحملة على حجم المستهدَف ومدى خطورته، في حين يتبنى الحملات عادة ناشطون أو إعلاميون أو مواقع إلكترونية مقربة من الحزب في العلن، وتُدار من داخله سرّاً، ويبقى الحزب وأجهزته الإعلامية المعروفة بعيدة عن أي شك او شبهة.
    وما يساعد الحزب على التأثير السحري بجمهوره هو تجربته السابقة في الحرب ضد العدو الصهيوني التي جعلت من أي اتهام يصدر عنه لأي شخص بالعمالة يلقى صدى وتصديقاً مباشراً لدى قواعده ويصبح المتهم منبوذاً في بيئته ومُعرضاََ للأذية وربما النفي.
     كما أن البعد الإيديولوجي والغيبي الذي يعطيه الحزب لأي اتهام أو خطوة أو قرار يوحي للجمهور بأن ما يقوله قادته هو وحي منزل والرادّ عليه كالرادّ على الله، خاصة أن السذاجة والبساطة تطغى على أغلب جمهور الحزب سيما في البيئات الفقيرة التي تعاني الجوع والحرمان.
    والأمثلة في حملات الحزب الإعلامية وحروبه النفسية ضد المعارضين لسياسته في لبنان كثيرة لا يسمح المقام بذكرها إلا أنّ بعضها كان موجّهاً ضد أفراد أو جماعات من بيئة الحزب كالحملة المنظمة التي انطلقت ضد السيد فضل الله بغطاء عقائدي وجوهر سياسي وتلك التي أدت إلى اعتقال الشيخ حسن مشيمش بتهمة مفبركة بالعمالة للعدو الصهيوني بسبب إنتقاده لسياسات الحزب داخل البيئة الجنوبية، وقبلهما الحملة ضد الشيخ صبحي الطفيلي حين اعترض على السياسة الإيرانية فتم تصوير تحركه بأنه يهدف للحصول على منصب في الحزب، والشهيد الشيخ خضر طليس الذي كان رأس الحربة في الدفاع عن المستضعفين والمطالبة بحقوقهم ما لم يرق لقيادة الحزب فاتهمه اعلامها بأنه شيخ فتنة ثم ما لبسوا تحت ظرف ما أن أعلنوا أنه شهيد مقاوم مظلوم، وغيرها من الأمثلة الكثيرة في هذا الإطار، وكلها حالات أدّت إلى تعبئة الجمهور وتعريض المعارضين لسياط الإتهام أو النبذ أو الملاحقة وحتى إلى الإعتقال والقتل أحيانا.
    ولعلّ آخر حملات الحزب هو ما تعرضت له الإعلامية كارول معلوف التي حظيت بمقابلة أسرى الحزب لدى جبهة النصرة في حلب. ونحن هنا لا ندافع عما قامت به الصحافية إلا أنّ الحزب الذي أراد منع عرض التسجيل هددها عبر بعض الرسائل النصية التي وصلت الى هاتفها، ثمّ هدد قناة mtv التي توصّل معها إلى إتفاق قضى بأن يتم عرض 7 دقائق من التسجيل فقط بذريعة الحرص على مشاعر أهل الأسرى مع أن مدة ال 7 دقائق تتضمن المقطع الأبرز الذي يتعلق بالمشاعر في حين أن ما تبقى متعلق بكيفية تعبئة الحزب لمقاتليه وإرسالهم إلى سوريا للقتال، وهو ما أزعج الحزب وأثاره.
    ولكن معلوف لم ترضخ للتهديد ونشرت التسجيل كاملاً وهي بمفهوم الحزب تخطت الخطوط الحمر فبدأ الهجوم بالحرب الإعلامية أولاً لتشويه الصورة، فنشر "ناشطون" إشاعة بأن الإعلامية قد تزوجها أمير جبهة النصرة بمهر مليون دولار أو أكثر لإنشاء محطة إعلامية خاصة بها، وتم زج إسم الإعلامية ريما مكتبي في الإشاعة لإضفاء مصداقية عليها إلى حد أنه لا يمكن لأحد الآن أن يقنع أحداً من جمهور الممانعة بأن الإعلامية ليست زوجة الجولاني. 
    وبعد تشويه الصورة إنتقلت الحملة للإدعاء على الإعلامية من قبل بعض المحامين الذين يدورون في فلك الحزب بتهمة التواصل مع جماعات إرهابية في محاولة لسجنها أو مساومتها  لإسكات صوتها.
    إنّ حملات تشويه الصورة هي من أقذر أساليب الحروب لأنها لا تعتمد على المواجهة المباشرة بل تؤدي إلى موت صاحب الصوت الحر بشكل بطيء في بيئته ومجتمعه أو إلى نبذه وتشويه صورته.  عسى أن يستيقظ جمهور الغنم قبل فوات الأوان لكي لا يُفاجئ بعد قتل عليّ في المسجد بأنّ عليّاً كان يصلي.
    تنويه : إذا بلغكم بعد هذا المقال أنني صهر البغدادي أو الجولاني فلا تصدقوا ..

 

 

 

علي الشيخ خضر طليس