عندما تصبح السلطة عبئا على المواطنين , ومصدر قلقٍ لهم , على المستويات كافة , إبتداء من الأمن السياسي مرورا بالامن الاجتماعي وصولا إلى لقمة العيش التي تتربص بها السلطة , فتغدو بذلك سلطة إستبدادية ظالمة وبالتالي لا همّ لها سوى فرض الضرائب , وتحصين مراكز الزعيم كيفما كان , وتتناتش الحصص وتوزيع السرقات المقوننة , ولا يؤثر على مسارها وأهدافها وعلى طريقة تفكيرها , أيّ حدث  مهما كان نوعه , كبير أو صغير , داخلي او خارجي , إقليمي أو دولي , فهذه السلطة لا تُسمى وللأسف " إلا الجمهورية اللبنانية " .

هذه الجمهورية اللبنانية التي لا تشبه إسمها بشيء , فاقت بفساد زعمائها كلّ فسادٍ عرفه التاريخ السياسي للدول , والذي يدل على أنها أفسد سلطة عرفها تاريخ الشرق هو انها متمسكة بالديمقراطية وبنظام المؤسسات , المعتمد على قانون المحاسبة والمراقبة , وهذا ابرز مصداق للنفاق والكذب السياسي , والغش والعهر .

بماذا يمكن أن تصف هذه السلطة التي ما ان يتنفس المواطن من عبء الغلاء المعيشي حتى سرعان ما تنقضّ عليه هذه السلطة بكل مكوناتها , وبمساعدة كل الشركاء في السلطة , بإقفال  مصدر التنفس , وآخرها موضوع الضريبة على البنزين الذي لطالما إنتظر المواطن تخفيض سعره وبالتالي يتسرب التخفيض لكثير من توابعه التي لها علاقة بتحسين مستوى عيشه بطريقة كريمة .

بماذا يشبه لبنان مفهوم الدولة , وكيف يمكن أن تقارب ممارسات السلطة فيه وتعاملها مع موضوعات سياسية وإجتماعية وتربوية وإقتصادية ..., في ظل فوضى في كل المفاهيم المذكورة , وفوضى في العلاقة بين المكونات اللبنانية , يمكن أن نسمي هذا كله ( لبنان مجموعة قبائل متناحرة على بقايا فريسة  من أجل إسترضاء جمهور يشبه البشر من حيث الشكل).

فإذاً لبنان بهذا التعريف ليس دولة بالمفهوم المعاصر , فلذلك وقبل نقاش أي موضوع له علاقة بواجبات السلطة أو قبل المطالبة بحقوق وواجبات علينا أن نطالب ونسعى من اجل جعل لبنان دولة وبعد ذلك نتحث عن نظام سياسي  فيه حقوق وواجبات .

هذه القبائل المتناحرة التي يطلق عليها طوائف أو مذاهب , إنما تناحرت لأنها لا تنتمي إلى دولة ونظام سياسي جامع , ولا إلى نظام إجتماعي قائم على ثقافة التعاون ,  ولا على أي سبب من أسباب نشوء الاجتماع الانساني , وبالتالي لا لوم عليها لأن ديدن الشعوب التي عاشت في البادية ولم تكن تنتمي إلى دولة ونظام , كانت تعيش في حالة صراعات من أجل البقاء بحُجة مفهوم الاقلية , هذا المفهوم الذي يتنامى اليوم في أذهان الناس وهو السبب الاساسي للخوف الوهمي , من خلال التحريض والتخويف الممنهج الذي تمارسه جهات سلطوية  .

نحن أشبه شيء بحالة الناس الذين عاشوا في البادية والصحاري , وجلّ هدفٍ لنا هو السيطرة على بئر ماءٍ أو حقل عشبٍ , نأكل ونشرب , وننام على أملٍ ووعدٍ من زعيم يخوّفنا دائما بعدوٍ موهوم , كما تخوّف الأمّ وليدها من " الغول " كي ينام وترتاح من همه .