تعيش الأمة الإسلامية أزمة مذهبية وانقساما أساسه مشكلة الخلافة بعد رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا الخلاف جاء نتيجة الإرث الكبير من الروايات التاريخية والعقدية ، التي بنى عليها الشيعة عقائدهم وتاريخهم وهذه الروايات بعضها أصيل وبعضها دخيل على المذهب وبعضها يسيء لمكانة أهل البيت عليهم السلام ، ونحن كأفراد ومن باب الحرص على الدين والوحدة الإسلامية قد توفر لدينا بعض الإطلاع ،فقرأناها واستعملنا العقل ومعرفتنا في العلوم الأخرى بتجرد وبموضوعية ، فوجدنا في الإمام علي (عليه السلام) منارة في العلم والفكر والعبادة وسمواً لم يصل إليه إلا القلة من البشر ، ووجدنا أن الإمام قد عبر عن الإسلام بطريقة تحتضن كل القيم الإنسانية والأخلاقية ، وازددنا حباً بالإسلام لأنه وبطريقه فهمه للرسالة السماوية قد تجاوز كل الخلافات في سبيل حفظ الإسلام "فما راعني إلا انثيال الناس على أبي بكر ليبايعوه ،فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الاسلام يدعون إلى محق دين الله وملة محمد ،فخشيت إن لم أنصر الاسلام وأهله أن أرى فيه ثلما وهدما يكون المصاب بهما أعظم من فوات ولاية أموركم ، التي هي متاع أيام قلائل ، ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب ، وكما يتقشع السحاب ، فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته ، ونهضت في تلك الأحداث حتى زاغ الباطل وزهق واطمأن الدين وتنهنه"(شرح نهج البلاغة، إبن أبي الحديد ، ج17 ، ص151، خطبة 62) والذي أذهلنا أكثر هو تطبيقه للمفاهيم و تجرده من الأنا الذاتيه أمام نفسه وذويه وأنصاره ، ومن موقع الحب للإسلام الذي جسده الإمام(عليه السلام) فقد وجدنا أن الأفكار الدخيلة قد عاثت فساداً ، وقد ألصق بالإمام روايات وأخبارا تسيء إليه ، والأعظم أنها جاءت من رجالات عبر التاريخ تدعي حبه ،وقد وجدنا أن عقدة الأمر كلها مبنية على سلبه الخلافه و منها تفرعت كل الخلافات وبني على ذلك هذا الإنقسام الحاد في بنية الأمه الإسلاميه على مر التاريخ ، وكان هذا النزاع الخندق الذي تتمترس خلفه كل الأطراف ، فلم تجتمع الإرادات المؤمنة و الجاده لبناء دولة الإسلام بكل ما تحمله من سمات العدل والإيمان ،بل تشتت على خلفية هذه الواقعة ، فبحثنا في واقعة الخلافة تلك من باب الحريص وتوصلنا إلى قناعه بأن إرث النبي كان جزئين أحدهما متعلق بالنبوه و الآخر متعلق بالرسالة ،وأن المقصود بولاية علي كان حتما إرث النبوه، أما إرث الرساله قد تنازعوه فاستلمه الخلفاء الثلاثه ، وبعدها اجتمعا في الإمام في فترة توليه الخلافه ثم افترقا بعد وفاته ،فإرث النبوه متعلق بفهم آيات الله و تفسيرها وهذا لم ينازعه عليه منازع ، حتى الخلفاء قد أقروا له بذلك ، أما إرث الرساله فهو المتعلق بإدارة شؤون الناس و الدولة ، وهو ما تنازعوا عليه ، وإذا ما قارنا بين أهميه الإرثين نجد أن الذي له فعل الديمومة هو إرث النبوه ،بينما إرث الرساله أمره متعلق بالعمر الزمني للخليفه حتى إذا ما انتهى عمر الخليفه انتهى أثره الفعلي ، وأن ما قاله الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم ) من حديثه الصحيح "من كنت مولاه فهذا علي مولاه" (رواه أحمد في المسند 281/4) يذهب في مضمونه الفعلي الى إرث النبوه. لكن السؤال هنا هل يدل هذا الحديث على نصية استلام علي (عليه السلام) الخلافة   بعد الرسول ، وأن ما حصل من مبايعة غيره كان خروج عن النص الديني ؟  جوابا على هذا السؤال نرى ما يلي :  

    1- عدم صحة تحميل هذا الحديث لهذا المعنى (الخلافة) لعدم احتجاج الإمام علي به ،وإنما احتج الإمام بأهليته لتولي هذا المنصب "لقد علمتم أنني أحق الناس بها من غيري ، ووالله لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين ، ولم يكن فيها جور إلا علي خاصة التمسا لأجر ذلك وفضله، وزهدا فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه" (بحار الأنوار ج 23 ، ص 565)    

   2- لو صح أن الخلافة للإمام أمر منصوص عليه من الله مثله مثل النبوه إذا ففي هذه الحاله يكون الإمام قد ارتكب معصيه بسبب تخليه عن تكليفه الإلهي ، ولا ينفع القول بأنه كان في قلة من المؤيدين ،فالرسول كان في قلة و لم يتخل عن تكليفه بل قال: (والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله ، أو أهلك دونه).                  

            3- أيضاً فإن الامام علي قد ذكر في رسالته المشهورة إلى معاويه(عندما أعلن الإنشقاق )بما كان من أمر الشورى بين أكثرية الصحابه فلم يكن للحاضر أن يعترض ولا للغائب أن يحتج بل هو ما أجمع عليه معظم الصحابه .                                   4- كيف تنازل الإمام الحسن (عليه السلام) عن الخلافة لمعاويه ؟ فلو كانت الخلافة نص إلهي و تكليف منه عز وجل كيف يجوز للإمام ترك هذا الأمر ؟!                

  5- عدم احتجاج الإمام الحسين (عليه السلام) بهذا الحديث و عدم تذكير المسلمين به وإنما خرج لإصلاح دين الإسلام لأن الخلافة تؤخذ بالشورى و ليست ملك ليتوارثوه .                                

     6- وأيضاً الإمام زين العابدين (عليه السلام) بعد فتح الكوفه من قبل المختار الثقفي وقد جاءه الرجل إلى باديه الشام ليسلمه المدينه و الجيش و المال فرفض الإمام التسلم ، ولو كانت الخلافة نصا من الله كيف يجوز للإمام أن يتركها !                                     7- وأيضاً عرض الأمر على الإمام جعفر (عليه السلام) أيام ثوره زيد بن علي ، فرفض الإمام ذلك فهل يحق له رفضها وهي نص إلهي؟!              

           8- نعتقد بأن في هذا الكلام دليلا كافيا على ما ذهبنا اليه في المقدمة من التفريق بين الولايه و الخلافة . وأهم نقطه في هذا الموضوع ...

9_لماذا اجتمع الأنصار في سقيفه بني ساعدة لاختيار خليفه منهم و قد بايعو فعلا سعد بن عبادة فلو كانوا يعتقدون أن صريح حديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يلزمهم بمبايعة علي(عليه السلام) فلما أقدموا على هذا الأمر و خصوصا أنه ليس بينهم و بين علي دماء و لا خصومه كما هو الحال مع قريش ؟! مخلص جواد