لم تتح حساسية الوضع الاقليمي، وتصاعد التوتر السعودي - الايراني، حتى لخليجيين خارج الاطار الرسمي تمرير ترشيح سمير جعجع لميشال عون للرئاسة وكأنه شأن لبناني لا يعنيهم. إنهم يشبهونه بـ "انقلاب" وليد جنبلاط على "14 آذار" عام 2011، ويكثرون من الاستفهام عن تفاصيل مثل: لماذا لم يؤيد جعجع ترشيح سليمان فرنجية، وما تعني المصالحة المسيحية، وهل سيصبح جعجع "ايرانياً" مثل عون؟... وبالطبع ساهم الموقف "الايراني" للوزير جبران باسيل ضد السعودية في الجامعة العربية، قبيل "حفلة الترشيح"، في اثارة مشاعر السعوديين، خصوصاً بعدما شاهدوا جعجع يتعامل بالهذر مع ذلك الموقف وكأن باسيل لم يرتكب اساءة مدروسة ومتعمّدة للسعودية بل مجرد "هضامة" في غير محلها.
الأرجح أن مقياس الانسياق في خدمة ايران هو أحد المعايير التي جعلت السعوديين لا يمانعون خيار فرنجية، مع أنه صديق لبشار الاسد ولا يخطو خطوة من دون مشورة "السيد حسن". وهناك اعتبار آخر، صحيح أو خاطئ، بأنه اذا انتُخب رئيساً، غير مرتبط باستراتيجية "حزب الله" لـ "تغيير نظام الطائف"، كما هي حال عون. لكن الاستحقاق الرئاسي بات مرشحاً لتعقيدات جديدة في ضوء الانقلاب الحاصل في الموقف الاميركي، وبعد الاملاءات والتهديدات المبطّنة التي أبلغها الوزير جون كيري للمعارضة السورية بشأن ركائز "الحل السياسي" والمفاوضات وفقاً للشروط الروسية والرؤية الايرانية. فهل أن المعطيات الجديدة، ومنها "بقاء الاسد" من دون أي أفق لرحيله، تعزّز حظوظ فرنجية، أم أن دمشق وطهران تفوّضان الأمر الى "حزب الله" في كل الأحوال؟
واقعياً، اذا كان أفق مفاوضات جنيف محدودا بـ "حكومة شراكة" بين النظام والمعارضة، فهذا يعني أن "مصير الاسد" انحسم ايجابياً لمصلحة ايران (وروسيا). وبالتالي لن يكون "حزب الله" مضطراً الى مزيد من المماطلة والتسويف في شأن انتخاب الرئيس. مع ذلك، عليه أن يتريّث للتأكد من انطلاق "الحل" في سوريا، وبأن التفاهم الاميركي – الروسي فرض نفسه على المعارضة والدول الاقليمية الداعمة لها. ثم ان هناك جانباً "مناوراتياً" في ترشيح جعجع لعون، اراد به رئيس "القوات اللبنانية" حشر "حزب الله" الذي تعنّت بالتمسّك بورقة "عون المرشح الأوحد" الى أن صار جعجع شريكه فيها، وعلى خلفية مصالحة مسيحية لم تكن في حسابات "الحزب" ولم يسرّ لحصولها، لأنه ليس مهندسها. فـ "حزب الله" بصفته وكيل "الوصاية" الايرانية - الاسدية يعتبر المصالحات والتحالفات ممكنة أو ممنوعة بمشيئته، وهو كان يحبّذ أن يبقى الخلاف "القواتي" - العوني من أدوات شغله لا أن يصبح من عناصر ارباكه.
لكن مضي "حزب الله" في خيار عون يطرح عليه فرضيتين محرجتَين: سحب ترشيح فرنجية والانفتاح على جعجع. أما الذهاب الى خيار فرنجية فيعني خسارة عون الحليف. لذلك يبدو "الحزب" أكثر ميلاً الى "مرشح ثالث" يرتضيه عون!