لا يُقرأ موقف حزب الله “الصامت” حيال ترشيحين كبيرين في لبنان لرئاسة الجمهورية، على قاعدة أن الحزب مربك وحسب. 

ثم أن الافتراض أن الحزب صامت فيه الكثير من المبالغة، والجري خلف خطأ شائع. 

كي لا تضيع الوقائع الاساسية، ينبغي التذكر دوماً أن نائب رئيس كتلة الوفاء للمقاومة الحاج محمد رعد أعطى موقفاً واضحاً من الاستحقاق يوم قال بوضوح أنه لا ينبغي أن يكون هناك مكان في لبنان لسعد الحريري!

موقف حزب الله العميق من الاستحقاق الرئاسي يتصل بمعركة اعادة صياغة “الشراكة” التي تديرها ايران في المنطقة وليس في لبنان وحسب. وهو ما طرحته ايران في اليمن وسوريا والعراق ولن يكون لبنان مختلفاً. بهذا المعنى ينظر حزب الله الى الاستحقاق الرئاسي من زاوية ارتباط هذا الاستحقاق بكامل خريطة “المشاركة في السلطة التنفيذية” التي يعاد البحث فيها في لبنان وخارج لبنان. 

منذ الحدث التأسيسي الكبير المتمثل بقرار واشنطن إسقاط نظام صدام حسين في العراق، دخلت ايران دخولاً عميقاً في لعبة التوازنات الداخلية في “الدولة العربية” من بوابة بغداد. ثم كان الاغتيال الكبير للرئيس رفيق الحريري تتمة لنتائج هذا الدخول الايراني على مغامرة اللعب بالتركيبة الاجتماعية والسياسية في العراق. 

دخل حزب الله دخوله المباشر الاول الى السلطة التنفيذية في لبنان عام ٢٠٠٥، بعد الإغتيال الكبير، أي بعد خمسة عشر عاماً من دخوله الى السلطة التشريعية والبلدية ما بعد اتفاق الطائف، وللمرة الأولى بعد خروج سوريا الاسد من لبنان في ٢٦ نيسان ٢٠٠٥.

بإختصار يمكن القول إن حقبة “الحكم التنفيذي” لحزب الله مرت في مرحلتين، أولى كان عمادها رئيس الجمهورية إميل لحود، الممدد له عام ٢٠٠٤ لثلاث سنوات، والثانية عمادها التحالف النيابي والوزاري مع الجنرال ميشال عون، وتركيبة الثلث المعطل في الحكومات المتعاقبة. 

في المرحلتين ضمن حزب الله نفوذاً تعطيلياً داخل النظام السياسي وسلطته التنفيذية، مقروناً بتدخل السلاح حين تقتضي الضرورة كما حصل في السابع من أيار ٢٠٠٨ ثم مناورة القمصان السود التي افضت الى استكمال الإنقلاب على حكومة سعد الحريري بتسمية نجيب ميقاتي لتشكيل حكومة حزب الله الاولى منذ إتفاق الطائف!

هذه الخلفية اساسية لفهم موقف حزب الله خارج دائرة تمنية النفس بأنه مربك أو محشور أو أن أنه اسير تذاكٍ من هنا او هناك!

يعرف الحزب ان لا تجربة إميل لحود (وبشار الاسد)، ولا تجربة الثنائي الماروني الشيعي عون - حزب الله قابلة للتكرار، لمنحه بشكل موارب قدرة تعطيل وقدرة قرار داخل السلطة التنفيذية في لبنان بما يعيد تعريف منطق الشراكة في لبنان ليس كتسوية طائفية بين المسلمين والمسيحيين بل كتسوية مذهبية بين المذاهب، الاسلامية تحديداً، اي تسوية سنية شيعية مسيحية!

فما اخذه الحزب مواربة، في المرحلتين آنفتي الذكر، سيسعى لأخذه هذه المرة مباشرة، من دون أن تكون قدرة القرار والتعطيل مرهونة لتحالف او صيغة سياسية يدرك انها لن تتكرر، وفي لحظة تطرح فيها ايران على أكثر من مجتمع عربي نظرية “اعادة النظر بالشراكة” وصيغتها وتركيبتها ومرتكزاتها!

حزب الله يريد حصته لوحده. ويريد للشيعة قرارهم المتحرر من موجبات التحالفات ومتغيراتها وشروطها. 

وهذا ما يفسر قرار حزب الله بعدم الاستجابة لترشيحين حقيقيين، ينتج عن كل منهما إيصال رئيس يطمئن له حزب الله بالمعنى الاستراتيجي لكلمة إطمئنان. 

عند هذا الهدف العميق في النظر الى تركيبة الشراكة اللبنانية يلتقي حزب الله والدكتور سمير جعجع، لأسباب كثيرة تتناقض وتلتقي وتتقاطع وتفترق، لكنها في المحصلة تجيب عن سؤال بسيط يرتبط بالهوية السياسية المذهبية، كما الصفة التمثيلية المذهبية لكل من الحزبين. 

يريد حزب الله حصته لوحده. ويريدها الدكتور جعجع لوحده ايضاً (بالمعني المسيحي وليس الشخصي)، وهما يلتقيان عميقاً على إعادة تعريف أسس الشراكة بين اللبنانيين. 

المسألة ليس مسألة رئيس. إنها مسألة النظام برمته.