الكل طرح السؤال: هل أن تتويج مصالحة "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" بترشيح سمير جعجع خصمه السابق ميشال عون سيساهم فعلاً في حل أزمة الشغور الرئاسي؟ لم يكن هناك أي جواب.
كالعادة، لا يمكن تأثيم أي توافق إذ يقيمه طرفاه بإرادتهما، والمهم كيف يمكن أن يكون ايجابياً في واقع مفعم بالسلبيات. هذا أيضاً غير واضح.
عندما وقّع "حزب الله" والتيار العوني على تفاهمهما عام 2006 انطلقا بعده بـ "حملة لطافة" مفادها أنهما ليسا ضد أي طرف، وأنهما استناداً الى النصّ يريدان مصلحة البلد. لكنهما في التطبيق نسيا النص ودخلا في سلسلة سياسات تخريبية تبدو معالمها واضحة في مختلف أنحاء البلد، بل ذهبا بعيداً في استهداف فريق وطني عابر للطوائف (14 آذار) فضلاً عن الطائفة السنّية، من محاولة اسقاط المحكمة الدولية الى السعي لإسقاط الدولة مروراً بكل ما تعرفون ولا بأس بالتذكير ببعض منه، غزو بيروت، الى مزيد من الاغتيالات والتورّط في الصراع السوري، وصولاً الى أبشع جريمة قضائية بتخلية سبيل ميشال سماحة.
واقع الأمر أن الاحتفال "القواتي" بترشيح عون كان له انعكاس أولي مباشر تمثّل عملياً بحرف الأنظار عن تداعيات هذه الجريمة، والايحاء بتجاوزها، وكأن ردود الفعل على اطلاق متهم بالتخطيط لفتنة طائفية لا تخصّ سوى الجمهور المسلم، أو كأن هذا الحكم القضائي يختلف عن ذلك الحكم الذي انتزع من عمر جعجع 11 عاماً سجناً. لا شك في أن واقعة اطلاق سماحة أثبتت بشكل نهائي ضرورة المحكمة الدولية للنظر في الاغتيالات السياسية، فالقضاء اللبناني، عسكرياً أو مدنياً، واقع تحت وطأة الخارج. كان السوري مَن حاكم جعجع وحكم عليه، وها هو الأسدي - الايراني يُخرج سماحة من السجن ويحاول تبرئته.
لعل أفضل استطلاع يمكن أن يُجرى الآن هو الذي يسأل اللبنانيين ما اذا كانوا يصدّقون فعلاً أن الجنرال عون يؤمن بـ "الثوابت العشرة" التي رشّحه جعجع على أساسها، وهل يعتقدون أن "حزب الله" معني بهذه "الثوابت" في حل أزمة الاستحقاق الرئاسي؟ الأرجح أن يكون الجواب سلبياً، فالسياسة هي ما نشاهد لا ما نتخيّل. أما اذا كان الجواب بالايجاب، واذا توافق مع ما يحصل في الواقع، فيكون الثنائي جعجع - عون توصّل أخيراً الى حلٍّ "صنع في لبنان"، لكنه يعني عملياً أن عون تغيّر في الاتجاه الذي يفترضه جعجع. هذا لا يوافق الايراني - الأسدي الذي يرى أن انتخابه يجب أن يبقى النتيجة الطبيعية لتحالفه مع "حزب الله" وبعدما أدّى عون دوريه الايراني والأسدي على أكمل وجه، وهذا يعني عملياً أن جعجع هو من يتغيّر في الاتجاه الذي يفترضه عون.