جعجع يُقلب الساحة المسيحية , وإرباك عند كل الفرقاء

السفير :

لن يكون سهلاً تجاوز مشهدية معراب الثنائية بعد الآن. هذا في السياسة، أما في الرئاسة، فالأمر مختلف.
وهذه المشهدية نتاج سياسات متراكمة، أقله من العام 2005 حتى الآن، عنوانها الكبير إدارة الظهر للمكون المسيحي، وآخرها الإدارة الخاطئة لمبادرة ترشيح سليمان فرنجية، خصوصاً من قبل «تيار المستقبل»، وتحديداً رئيسه سعد الحريري.
بهذا المعنى، لم يستدرج سمير جعجع خصمه المسيحي الأول ميشال عون الى معراب، بل ثمة من استدرجهما معاً الى مشهدية مشتركة، بدا معها أن «الحكيم» هو «المنقذ» و «الزعيم الماروني الحقيقي» وصانع السياسات والخيارات.. والأهم «صانع الرؤساء»...
وما افتقد إليه المسيحيون منذ تاريخ آخر حروبهم في نهاية الثمانينيات، من وحدة ولو بحدها الأدنى، وجدوا أن هناك من بين قياداتهم من ينبري لهذا «الدور التاريخي»، بحيث قرر أن «يضحي» مجدداً، كما «ضحى» في السابق، خصوصاً من أجل الطائف.. فكان «جريئاً حيث لا يجرؤ الآخرون» من حلفاء، برغم الأكلاف الآنية والمكاسب البعيدة المدى.. وهذا هو بيت القصيد في معراب: «الأمر لي».
ويصح القول إنه منذ جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري قبل أحد عشر عاماً، وما تركته من ندوب واصطفافات في الجسم السياسي والطائفي اللبناني، هذه هي المرة الثانية التي يشهد فيها اللبنانيون «يوماً تاريخياً» يكاد يغطي بمشهديته الشكلية ومضمونه البعيد المدى على اليوم التاريخي الأول، لحظة قرر «الجنرال» على مسافة قريبة من هذه الأيام، أن يوقع التفاهم الأول من نوعه بين «التيار الوطني الحر» و «حزب الله» في كنيسة مار مخايل في السادس من شباط 2006.
عشر سنوات على ذلك «التفاهم»، كان خلالها ميشال عون عرضة لحروب عالمية بكل معنى الكلمة منعته من أن يعيّن «صهره الثاني» قائداً للجيش ولولا تدخلات ملوك ورؤساء، لما أمكن له في بعض الأحيان أن يضمن حقيبة وزارية لوريثه و «صهره الأول» جبران باسيل.
والأصح أن ذلك التفاهم لم يكن إلا نتاج «حرب إلغاء» تعرض إليها عون، بمجرد أن قرر مغادرة منفاه الطوعي، فتكاملت أدوارُ بعض الداخل والخارج لمنعه من العودة.. وعندما قرر «التمرد»، كان «التحالف الرباعي» بالمرصاد.. ولحظة أثبت أنه «تسونامي مسيحي»، عوقب بحرمانه من مجرد مقعد وزاري.. وفي كل محطة، كان هناك من ينبري ويردد «هذه ليست خيارات شريك لبناني. بل نتاج قرارات سعودية وغربية، وتحديداً أميركية». هذه القاعدة أريد لها أن «تغطي» قرار رفض ترشيح عون للرئاسة أو رفض شامل روكز لقيادة الجيش، برغم مجاهرة السفير الأميركي السابق ديفيد هيل أمام قيادات لبنانية بحماسة بلاده للأخير.
أمس تحديداً، خطف سمير جعجع مساحة سياسية وشعبية كبيرة من زعامة «الجنرال»، وهذا أمر مشروع في السياسة. ربما صار «الجنرال» الزعيم الأكثر تمثيلاً لكنه لم يعد الزعيم المسيحي الأول. صار الهامش بينه وبين جعجع ليس كبيراً. بدا «الحكيم» هو «المستقبل». كل الحواجز السياسية والنفسية التي حاول تكسيرها وتبديدها، ونجح حيناً وفشل حيناً آخر، صارت خلف ظهره. أخذ صك البراءة الكبير وصار صاحب مبادرة ومشروعية لا يستطيع أحد أن يشكك فيها بشهادة ومشهدية يوم الثامن عشر من كانون الثاني 2016: «الجنرال» مرشحي.. وهذا هو «خطاب القسم»!
قد يزعج ذلك الحلفاء، وهو لا يقيم حساباً إلا لسعد والسعودية. لكن في النهاية هم يدركون أنه إذا أمسك بناصية القرار المسيحي مستقبلاً وصار مرجعية مارونية، هم سيأتون إليه وليس هو من يتوسل موعداً لا مع ملك ولا مع ولي عهد ولا مع من يمثلهما في «الدائرة اللبنانية».
وإذا تم تعداد العناوين العشرة المأخوذة من «ورقة إعلان النوايا» بين «التيار» و «القوات»، فإن القول بأن جعجع قد جنح نحو خيار «8 آذار» لا يبدو دقيقاً. هنا تحديداً، ينبغي التدقيق في مضمون «الإطار السياسي لهذا الترشيح»، بوصفه يشكل نقطة التقاء بين الجانبين، بمعزل عن التلاعب اللفظي اللاحق، وهو المضمون الذي لم يطلع الرأي العام اللبناني على أي حرف من حروفه حتى الآن، ولكن تكفي مقارنته بمحاولة «قواتية» سابقة لإبرام تفاهم سياسي مماثل مع «المردة» على مسافة قريبة من مبادرة الحريري لترشيح فرنجية.
ذلك التفاهم الذي يتكتم أهل بنشعي على تفاصيله كان يشمل أشياء كثيرة بدءاً بالقانون الانتخابي مروراً بالحكومات وتوزيع مقاعدها.. وصولاً إلى تعيينات الفئة الأولى، فما هي حقيقة التفاهم الذي انعقد لواؤه بين «التيار» و «القوات» وهل يضمن مصالح حلفاء الطرفين وهل تم وضع هؤلاء في حيثياته وبنوده ووافقوا عليها أم أن «الإطار السياسي الجديد» لم يتجاوز دائرة الإثنين وربما أبعد منهما مجرد حليف واحد من هنا أو من هناك.. وعلى حساب أي من القوى والشخصيات المسيحية تم تبني هذا الترشيح ـ التفاهم؟
لم يعد خافياً، وهذا أمر موضوعي ومشروع في السياسة، أن ضرر «الثنائي الماروني» الجديد سيكون «نسخة طبق الأصل» عن «الثنائي الشيعي» وأي «ثنائي طائفي» آخر. ليست العبرة هنا، بل في القدرة على تسويق «بضاعة» هذا «الثنائي» في الدائرة المسيحية أولاً («المردة» و «الكتائب» تحديداً) ثم في الدائرة اللبنانية الأوسع (الشريكان السني والدرزي تحديداً)؟
لا يعني ذلك أن «حزب الله» و «أمل» سواء أكانا قد اطلعا على كل شاردة وواردة أم لم يطلعا، قد رصدا مشهدية معراب بإيجابية. الجواب سلبي على الأرجح، خصوصاً أن حساباتهما تتجاوز دائرتهما وتتعداها الى حلفاء آخرين مثل سليمان فرنجية و «المعارضة السنية»، من دون إغفال تقديرهما العالي لـ «الحساسية الدرزية» وما يمكن أن تستولده «وحدة أقوياء الموارنة» من إعادة نبش لذاكرة الماضي القريب والبعيد..
بكل الأحوال، لم تنفع كل المحاولات السعودية والحريرية في ثني معراب عن خطوتها السياسية، برغم طغيان الطابع الرمزي عليها. حاول «صاحب المبادرة» تبديد مخاوف هؤلاء بالتركيز على الفوائد البعيدة المدى مسيحياً ما دام صرف المبادرة أو تسييلها متعذر في الصندوق الانتخابي الرئاسي.. ولو حصل ذلك، فإن النتيجة المضمونة لمصلحة أي مرشح غير «الجنرال»!
كان المحظور سعودياً هو الانخراط في أي مسار متدحرج يؤدي إلى نزول «العونيين» و «القواتيين» معاً الى الشارع تجييشاً لخيار «المرشح المسيحي الأقوى». حصل «أبو فيصل» (السفير السعودي) على ضمانات في هذه النقطة تحديداً. هذا الأمر، جعل أحد المترددين بشكل شبه يومي على السفارة السعودية يردد الجملة نفسها التي قالها اللواء جميل السيد: «إنه شيك بلا رصيد».
الغضب الحريري لا يوازيه غضب آخر. الترجمة المباشرة هي التمسك بخيار سليمان فرنجية. يريد لنا جعجع أن نخسره حليفاً «هنيئاً له».. لكننا لن نسمح له بتجاوز حدوده السياسية. فتحت الخطوط بين «بيت الوسط» وبنشعي. تحرك سليمان فرنجية باتجاه بكركي. الموعد متفق عليه منذ أسبوع مع البطريرك بشارة الراعي. قال زعيم «المردة» كلمته ومشى: أنا ماض في ترشيحي.
صحيح أن «حزب الله» يجد نفسه معنياً بعدم السماح بأية مواجهة بين عون وفرنجية، لكن واقع الأمور يشي بغير ذلك. يريد الزعيم الشمالي أن يكون هو الممر الإلزامي لوصول عون الى رئاسة الجمهورية. يقول إنه صادق في خياراته ولا يناور ولا يسعى الى وراثة. جل ما يطلبه هو أن يعامله «الجنرال» كما يتعامل مع جعجع. زاره مراراً وتكراراً في الرابية، و «عنوان منزله» في بنشعي معروف، فهل آن أوان «رد الزيارة».. الأهم من ذلك، عندما توجه فرنجية قبل أقل من شهرين بسؤال مباشر الى عون «أنا معك رئاسياً.. لكن إذا لم تسمح الظروف بوصولك.. ما هي «الخطة باء»؟ لم يأت الجواب الذي كان يشتهي فرنجية سماعه من حليفه بأن يصبح هو عندئذ مرشح فريق «8 آذار».
هذه المرة لن يكون هناك تساهل. «الفرصة الرئاسية» لن يكون مسموحاً بأن تأتي عن طريق معراب. يدعم فرنجية ترشيح «الجنرال» لكن إذا فشل في الحصول على الأصوات المطلوبة في الدورة الأولى، «عليه أن يتبنى ترشيحي في الدورة الثانية.. وإلا لن أسمح بتغطية ترشيح هدفه قطع الطريق على وصولي المشروع الى القصر الجمهوري. أقله هو رفضني رئيساً.. وأنا سأرفضه مرشحاً».

النهار :

مع ان ما جرى في معراب لم يشكل "المفاجأة" الكاملة العناصر بعدما كثر الحديث في الايام الاخيرة عن اقتراب اعلان رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع دعمه لترشيح رئيس "تكتل الاصلاح والتغيير" النائب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، فان رؤية معراب الحاشدة احتفاء بـ"مرشحها" الرئاسي ترفع نخبه وهو الذي زارها للمرة الأولى أمس لم يكن أقل من تطور استثنائي نادر.
والواقع ان جعجع الذي يشغل المراقبين والأوساط السياسية منذ بروز الاشارة الاولى الى التباين الحاد الذي حصل بينه وبين الرئيس سعد الحريري حول توافق الاخير مع النائب سليمان فرنجية على ترشيحه للرئاسة، "أقدم" أمس في توقيت كان كثر يعتقدون ان جعجع سيتجنبه في ظل تصاعد الضجة الكبيرة التي أثارتها تخلية الوزير السابق ميشال سماحة وتالياً التريث في انجاز التفاهم العوني – القواتي على اعلان دعم عون للرئاسة. وبدا واضحاً ان ثمة معطيات حملت الثنائي المسيحي على استعجال الخطوة التي وصفاها بانها "تاريخية"، عزاها مطلعون الى استعدادات كانت تجري لقيام النائب فرنجية بزيارة لروما يلاقي فيها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ويعقد لقاءات مع مسؤولين فاتيكانيين الامر الذي يعني المضي قدما في معركة ترشيح فرنجية. لكن الأمر لا يبدو انه يقف عند حدود التوقيت المباشر، إذ تبين ان الفريقين العوني والقواتي أحدثا ما يشبه الانقلاب الصاعق في الوقائع المتصلة بالمعركة الرئاسية وحساباتها كما بالواقع السياسي المسيحي كلاً وعلاقات افرقائه بالشركاء من الطوائف الاخرى تحت لافتة كبيرة هي استعادة استقلالية القرار المسيحي.
واذا كان كل من جعجع وعون حرص على التوجه الى سائر الأفرقاء بلغة الانفتاح وعدم التحدي، فان ذلك لا يحجب الصدى القوي الذي أحدثه هذا التطور من كل الجوانب سواء على المستوى المسيحي أو على صعيد علاقة كل من الفريقين بحلفه السياسي العريض في 14 آذار و8 آذار. وبرزت في هذا السياق الزيارة العاجلة التي قام بها النائب فرنجية لبكركي ليعلن منها انه "مستمر في ترشيحه".

التحضيرات السرية
وقالت مصادر الفريقين لـ"النهار" انه بعد "اعلان النيات" الذي صدر في ٢ نيسان ٢٠١٥، بدأت المرحلة الثانية من التنفيذ التي ركزت على موضوع الرئاسة. وطوال شهرين انعقدت لقاءات في شكل شبه يومي كان محورها النائب ابرهيم كنعان وملحم الرياشي مع العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع للتوصل الى هذا الاتفاق في ظل تكتم شديد ضماناً لنجاح ما يقومان به.
وفي كل اللقاءات، توسّع الطرفان في البحث في "اعلان النيات"، فناقشا مستقبل علاقتهما وعلاقة المسيحيين بالدولة ومع الشريك الاخر في الوطن، وما بعد الرئاسة أي مستقبل الجمهورية ككل ودور الجميع فيها، وعندما تكونت لديهما رؤية مشتركة متكاملة للكثير من المسائل والقضايا لتقوية الجمهورية، رتّبا لقاء الإعلان الرئاسي في الطريقة التي صدرت أمس. وحفاظاً على أمن الجميع وضعا خطة المؤتمر الصحافي الذي اعلن فيه جعجع الموقف، بعدما زار الرياشي بكركي وأطلع البطريرك على أمر الإعلان، ثم زارها الوزير جبران باسيل، وبعده العماد عون ليأخذ بركة البطريرك قبل التوجه الى معراب.
وأكد الطرفان ان هذا الترشيح ليس تحدياً لأحد والاهم انه ليس رد فعل على ترشيح الحريري لفرنجيه، وما يطمحان اليه ان تكون مبادرة جامعة أو قدر الممكن، كما أكدا ضرورة ان يشمل التفاهم كل المسيحيين وألا يقصي أحداً، فضلاً عن أنه ليس موجها ضد الشريك المسلم بل سيتوجهان إلى هذا الشريك للتوصل الى تفاهمات.

 

في معراب
والواقع ان ترشيح جعجع لعون من معراب وسط "المراسم" الاعلامية والسياسية والنيابية والحزبية التي اتخذت فيها والتي بدا واضحاً ان قيادة "القوات" حرصت عليها لاطلاق كل الدلالات التي تتجمع عند دورها المحوري في الاستحقاق الرئاسي ومن خلال التحالف "التاريخي" مع الخصم التاريخي المسيحي سابقاً، أثار مفاعيل شديدة التناقض مسيحياً ولبنانياً اذ بدا من جهة حدثاً دراماتيكياً نظراً الى الانقلاب في علاقة فريقين خاضا معارك دموية ومن ثم لم يتفاهما إلا تحت وطأة الضعف الهائل الذي أصاب المسيحيين. لكنه بدا من جهة أخرى حدثاً مبشراً باعادة التوازن الى الواقع الداخلي من خلال الأثر الذي يمكن ان يحدثه تحالف اثنين من أكبر الاحزاب والتيارات المسيحية. ولفت في هذا السياق ان جعجع عزز "استدارته" الكبيرة نحو حليفه الحديث وخصمه الاول السابق بالتركيز على النقاط "السيادية" التي وردت في "اعلان النيات " بين الفريقين ليعلن تبني "القوات" ترشيح عون وليدعو "القوى الحليفة في 14 آذار وثورة الارز الى تبني هذا الترشيح". أما العماد عون الذي شدد على ان "الجميع لهم موقعهم في هذا الوطن"، فتمنى "ان نشهد الاجماع ولو لمرة لاننا نريد صون الجميع مسلمين ومسيحيين".
وقال نائب رئيس حزب "القوات اللبنانية" النائب جورج عدوان لـ"النهار" إن ما شهدته معراب أمس كان "خطوة أولى في اتجاه توافق وطني وتفاهم يجب أن يشمل الجميع من غير استثناء، وفي المقدمة الحلفاء في تيار المستقبل لئلا تكون هذه الخطوة ناقصة".
وتوقع عدوان أن تبدأ الإتصالات في سرعة "لتحويل هذا التفاهم الثنائي إلى تفاهم وطني أوسع لأن لا خلاص للبنان إلا بهذا السبيل".

ردود أوّلية
وقالت مصادر مواكبة للاستحقاق الرئاسي لـ"النهار" ان ترحيب بكركي بترشيح جعجع لعون أمر مفروغ منه بإعتبار ان المرجعية الروحية للموارنة مع كل تقارب داخل الطائفة. وفي موازاة ذلك لا تبدو الرياح مؤاتية لهذا الترشيح داخل "المستقبل" ولدى الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط وثمانية نواب من المستقلين.
وعلمت "النهار" ان الرد الاول لـ"المستقبل" على ترشيح العماد عون سيأتي اليوم من خلال البيان الذي ستصدره كتلته النيابية برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة الذي زار بكركي أمس وأعلن من هناك ان انتخاب الرئيس يعني جميع اللبنانيين، لا المسيحيين وحدهم، في حين كان لافتاً تصريح النائب عمار حوري من مجلس النواب الذي قال فيه: "ان عودة الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة ملكه شخصياً، وليست هدفاً في ما يقوم به لملء الفراغ الرئاسي". وفي معطيات "النهار" ان قراءة في أوساط "المستقبل" تفيد ان ترشيح العماد عون حق ديموقراطي، لكن تأييده أو عدم تأييده أمر آخر.

 

المستقبل :

قُضيَ الأمر. أضحى رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون مرشح «معراب» لرئاسة الجمهورية وفق ما أعلن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع مساء أمس وسط أجواء احتفائية عارمة استهلّها باستقبال حزبي حافل أعدّه للضيف الرئاسي واختتمها برفع نخب عون مرشحاً «قواتياً» لسدة الرئاسة الأولى. غير أنّ النشوة العونية لم تكد تكتمل بانتزاع تنازل جعجع عن سدة الترشيح إلى الرئاسة الأولى، حتى جاء الرد الرئاسي صريحاً ومقتضباً من مرشح التسوية رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية بقوله لـ«المستقبل» ليلاً: «لن أتراجع»، مؤكداً بعد زيارته بكركي أنّ لقاءه البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي كان «جيداً جداً»، وأردف موضحاً إثر اللقاء: مستمر بترشّحي للرئاسة.. و«اللي بدّو منّي شي بيعرف عنواني».
وإذ باتت أوراق «الاقتراع» مكشوفة على الطاولة بين ثلاثة من الأقوياء الموارنة الأربعة، تحت وطأة إقدام جعجع على «نكران الذات» لصالح عون في مقابل استمرار فرنجية في ترشّحه بغض النظر عن المشهدية الرئاسية في معراب، يبقى أن يحدد حزب «الكتائب اللبنانية» موقفه وتموضعه الرئاسي بين الرابية وبنشعي بحيث أكدت مصادر 
كتائبية لـ»المستقبل» أنّ رئيس الحزب النائب سامي الجميل دعا الكتلة النيابية الكتائبية إلى اجتماع يُعقد غداً لاتخاذ الموقف المناسب إزاء المستجدات الرئاسية. علماً أنّ جعجع اتصل ليل أمس بالجميل وناقش معه تطورات الملف الرئاسي في ضوء ترشيحه عون.
عون في معراب
وكان النهار العوني الطويل في معراب أمس قد بدأ بزيارات ولقاءات تمهيدية تسلسلية بدأها النائب ابراهيم كنعان ثم رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل قبل أن يخرج جعجع ليستقبل مساءً عون عند مدخل مقر معراب بعد أن اكتمل النصاب الحزبي «القواتي الوطني الحر« في المقر، فترافقا إثر اجتماع ثنائي إلى قاعة الاجتماعات ليعقدا مؤتمراً صحافياً مشتركاً استهله جعجع بكلمة أعلن فيها تبني «القوات» ترشيح عون لرئاسة الجمهورية باعتبارها «عملية إنقاذ غير اعتيادية حيث لا يجرؤ الآخرون» يعتزم خوضها «مهما كان ثمنها».
وإثر انتهاء جعجع من تلاوة كلمته المكتوبة والتي ضمّنها تذكيراً بعشر نقاط رئيسية وردت في ورقة «إعلان النوايا» (ص 2)، بادر عون إلى إلقاء كلمة مرتجلة شكر فيها «القوات» على دعم ترشيحه مشدداً على وجوب عدم نسيان الماضي بين الجانبين «كي لا نكرره»، وقال: «الورقة السوداء انتهى دورها ويجب حرقها ولنضع كل ذلك في ذاكرتنا فقط»، متمنياً «في هذا اليوم التاريخي» كما وصفه أن يصل إلى سدة الرئاسة الأولى «بالإجماع ولو لمرة واحدة» مع الإشارة إلى إدراكه أنّ ذلك بمثابة «المستحيل».

الديار :

سيستمر الوزير سليمان فرنجية في ترشحه لرئاسة الجمهورية، لكنه بات امام عائق كبير هو التحالف بين اكبر قوتين مسيحيتين هو التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية اللذان يمثلان اكبر قوة مسيحية تشكل 70 في المئة من المسيحيين في لبنان.
واذا كان حزب الله وحركة امل يشكلان 70 في المئة و 80 في المئة من الشيعة، ويلزمان الناس بانتخاب الرئيس نبيه بري، فان مبدأ الاكثرية المسيحية التي اصبحت عند العماد ميشال عون و الدكتور سمير جعجع يمنع على الوزير سليمان فرنجية اجتياز خط الرئاسة دون تسوية معينة غير موجودة.
لكن الوزير سليمان فرنجية سيستمر في ترشحه مؤيدا من تيار المستقبل والوزير وليد جنبلاط والمستقلين من المسيحيين حلفاء 14 اذار، ولن يتراجع عن خطوته خاصة ان ترشيح العماد ميشال عون جاء من معراب من مركز الدكتور سمير جعجع الذي له عداء كبير وتاريخي مع الوزير سليمان فرنجية. اما الدكتور سمير جعجع فالتقط الكرة ودرس الامور، ووجد انه لا يمكن ان يقبل الوزير سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية، وما دام ان الرئيس الحريري لم يشاوره في ترشيح الوزير سليمان فرنجية، رد عليه بترشيح العماد ميشال عون، معتبرا ان العماد ميشال عون يلتقي مع القوات اللبنانية على قواسم مشتركة اكثر مما تلتقي القوات اللبنىانية مع الوزير سليمان فرنجية، ولذلك ايد الدكتور سمير جعجع في خطوة مفصلية وتاريخية العماد عون لرئاسة الجمهورية.
ومع تأييد الدكتور سمير جعجع للعماد ميشال عون وتأييد الرئيس سعد الحريري للوزير فرنجية، فان خريطة سياسية جديدة قد تم رسمها في لبنان، وان كان المرشحان هما من حركة 8 اذار، وقاسمهما المشترك هو حزب الله وتقريبا سوريا.
الا ان وجودهما في 8 اذار لا ينفع بشيء، ذلك انهما متخاصمان على الرئاسة، ولن يتراجع اي منهما؛ فلا العماد ميشال عون مستعد للتراجع، خاصة بعد تأييد القوات اللبنانية له وحصوله على سد منيع من القوة المسيحية الكبرى ولا الوزير سليمان فرنجية سيتراجع، لانه يعتبر الامر يمس كرامته وتاريخه السياسي، وبالتالي سيستمر في ترشحه لرئاسة الجمهورية.
والان ينتظر الجميع موقف الاطراف من اعلان الدكتور سمير جعجع تأييده لترشيح العماد ميشال عون، فالوزير وليد جنبلاط دعا خلال 48 ساعة الى اجتماع كي يعلن الحزب التقدمي الاشتراكي واللقاء الديموقراطي موقفه من ترشيح العماد ميشال عون، بعد تأييد الدكتور سمير جعجع له.
والرئيس نبيه بري قد يصدر بيان عنه في شأن تأييد الدكتور سمير جعجع للعماد ميشال عون.
ولا نعرف اذا كان حزب الله سيصدر بيانا في شأن تأييد الدكتور سمير جعجع لترشيح العماد ميشال عون، مع ان قناة المنار لم تنقل من معراب مباشرة الخبر الا عند حضور العماد ميشال عون فقط. وقبل ذلك لم تشارك في نقل الاحداث وما يجري في معراب، بل نقلت لحظة وصول عون الى معراب والبيان الصحافي الذي اصدره العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع وقرأه الدكتور سمير جعجع.


على ان بعض الاخبار تقول إن العماد ميشال عون سيكون وسيطاً بين الدكتور سمير جعجع والسيد حسن نصرالله، لتقريب وجهات نظر القوات وحزب الله في المرحلة المقبلة.
واذا قرأنا البيان الذي يتضمن وثيقة الـ 10 نقاط، فاننا نرى انه يجب دعم الجيش اللبناني معنويا وماديا وتمكينه مع سائر القوى الامنية من التعامل مع مختلف الحالات الامنية، بهدف بسط سلطة الدولة وحدها على كامل الاراضي وكلمة التعامل مع مختلف الحالات شيء وفرض الامن من قبل الجيش والقوى الامنية امر آخر، لذلك تم اعتماد كلمة التعامل مع مختلف الحالات كحل وسط ما بين سلاح حزب الله وما بين دور الجيش والقوى الامنية الشرعية.
اما في شأن البند الاساسي وهو اعتبار اسرائيل دولة عدوة، فانه يعطي المقاومة حق تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. وعندما تعلن الوثيقة التمسك بحق الفلسطينيين في العودة الى ارضهم، فمعنى ذلك ان لا سبيل لاعتماد مبادرة بيروت 2002، التي اعلنها الملك عبد الله الراحل، لان اعلان العودة الى ارضهم لم تتضمنها مبادرة بيروت 2002 بل قالت بانسحاب اسرائيل الى حدود 1967 مقابل التطبيع الكامل والتسوية بين العرب واسرائيل، وهذا تناقض بحد ذاته من جهة يرضي حزب الله ومن جهة اخرى يرضي السعودية.
حظوظ العماد ميشال عون ارتفعت لرئاسة الجمهورية، ولم يعد احد يستطيع ان يتجاوزه مسيحيا، لانه بات يؤيده حوالى 33 نائبا مسيحيا، وهذا العدد لم يتوافر لاي مرشح ماروني من قاعدته الا في ايام الشهابية، مع انه في ايام الشهابية كان النواب المسلمون يؤيدون المرشح الذي يسميه الرئيس الراحل فؤاد شهاب، الا انه هذه المرة، ينطلق العماد عون من 33 نائبا مسيحيا لا يمتلكهم اي مرشح للرئاسة، لا الرئيس امين الجميل ولا الوزير سليمان فرنجية.
اما في شأن البند العاشر ففيه ازدواجية، فهو يبتعد عن الكلام عن النسبية ولا يتحدث عن النسبية، بل يقول بالمناصفة الفعلية بين المسيحيين والمسلمين، وصحة هذا التمثيل على اساس اقرار قانون جديد للانتخابات يراعي المناصفة الفعلية وصحة التمثيل. ويعني ذلك قانون انتخاب يقسم المناطق الى مناطق لا ينتخب فيها المسلمون بأكثريتهم نوابا مسيحيين كي لا يمتلك تيار المستقبل او حزب الله او الرئيس بري نوابا مسيحيين ضمن لوائحهم، بل يأتي النواب المسيحيون بأصوات مسيحيين تقريبا والمسلمون بأصوات مسلمين. فلا هو اعتمد النسبية ولا هو اعتمد القانون الارثوذكسي ولا هو قال صراحة بتقسيم المناطق كي تكون صحة التمثيل المسيحي حقيقية وليس عند الرئيس الحريري او وليد جنبلاط او الرئيس نبيه بري.

 

الجمهورية :

فَعَلها رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع بعد طول تمهيد، فانسحب من السباق الرئاسي متبنّياً ترشيح رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون في لقاء تاريخي شهدته معراب التي وطأها عون للمرة الأولى وباتت الكرة، في رأي المراقبين، في ملعب ثلاثة: الرئيس سعد الحريري ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط، فيما رئيس مجلس النواب نبيه برّي ينتظر ما ستؤول اليه حصيلة المواقف ليبني على الشيء مقتضاه. لاقت خطوة جعجع تفسيرات كثيرة، فالبعض أدرجها في إطار ردّ على الحريري، ومن خلفه الرياض لتبنّيهما ترشيح فرنجية، وبعض آخر تحدّث عن أن خطوة جعجع أحدثت كتلة وازنة من شأنها أن تغيّر في المعادلة الداخلية حتى ولو لم تحصل إنتخابات الرئاسة. ولكن العلامة الفارقة في إعلان جعجع كانت دعوته لقوى 14 آذار الى تأييد عون.
وكذلك تلاقت تفسيرات عدّة على وصف خطوة جعجع بأنها «قرار جريء»، لكنها سألت هل إن هذا القرار نابع من حسابات لديه للمرحلة المقبلة؟ أم أنها ردّة فعل على السعودية والحريري، أم الإثنين معاً؟ لكن البعض الآخر اعتبر أن خطوة جعجع هذه تعيد التركيز على عون كنقطة قوة مسيحية كبيرة. فهي في رأي البعض خطوة تمهيدية لفتح الطريق الى رئاسة الجمهورية، خصوصاً في بُعدها المسيحي.
ويرى المراقبون ان هذا الجو الجديد الذي بدأت تشيعه هذه الخطوة سيُحدث إستقطاباً سياسياً واسعاً وسيفرض على الجميع تقويم المشهد الرئاسي، في وقت لا يزال الطريق الى بعبدا في حاجة الى مزيد من تبلور المعطيات الداخلية والخارجية، مع العلم ان الإعتبارات الخارجية لم تتكامل بعد لكنها حينما تنضج لن تستطيع أن تتجاوز إعلان معراب تبنّي ترشيح عون.
الحريري وفرنجية
وعلمت «الجمهورية» أن الحريري استدعى أركان «المستقبل» الى الرياض حيث عُقد اجتماع مساء أمس تشاور خلاله المجتمعون في آخر التطورات، وما سيكون عليه الموقف من ترشيح جعجع لعون، وذلك عشية الإجتماع الأسبوعي لكتلة «المستقبل» اليوم.
أما فرنجية، فسارع الى زيارة بكركي ليلاً، وأكد بعد لقائه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي استمراره في ترشيحه للرئاسة قائلاً في هذا السياق «أنا ما زلت مرشحاً ومن يريدني يعرف عنوان منزلي».
وعلمت «الجمهورية» أن اللقاء بين فرنجية والراعي عُقد بعيداً من الإعلام، وساده نقاش حول التطورات الرئاسيّة الأخيرة بعد إعلان جعجع ترشيح عون ومحاولة إيجاد مخرج للترشيحَين اللذين أصبحا في مواجة بعضهما، علماً أن فرنجية أعلن استمراره في الترشيح من خارج الصرح البطريركي وليس من بكركي كما ظنّ البعض.
وأكدت مصادر بكركي لـ«الجمهورية» أن «الراعي ينظر بإيجابية الى خطوة جعجع ويباركها، وهي خطوة يُبنى عليها لتحريك عجلة الرئاسة، وهو مع أي تقارب ماروني ومسيحي ووطني»، لافتة الى أن «الراعي سيكمل إتصالاته مع القيادات المارونية والوطنية لتفعيل المبادرات التي تؤدي الى انتخاب رئيس».
وفي هذه الأثناء علمت «الجمهورية» أنّ بعض القوى السياسية بدأت ليل أمس التواصل مع نوابها لتأكيد عدم حضور جلسة إنتخاب رئيس للجمهورية المقررة في 8 شباط المقبل تفادياً لتأمين النصاب. وفي السياق أعلن جنبلاط أنّ مجلس قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي و«اللقاء الديموقراطي» سيجتمعان لاتخاذ القرار المناسب.
إعلان جعجع
وكان جعجع أعلن مساء أمس تبنّي ترشيح عون الى رئاسة الجمهورية على أساس برنامج رئاسي نواته ورقة «إعلان النوايا». وأوضح أنّ «ما عزّز اقتناعنا بهذه الخطوة، هو التطور الإيجابي في العلاقة بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، لا سيما من خلال ورقة «إعلان النوايا» التي وقِّعت في حزيران 2015 وما تضمّنته مقدمتها من حرص على تنقية الذاكرة والتطلع نحو مستقبل يسوده التعاون السياسي أو التنافس الشريف».
ودعا جعجع «القوى الحليفة في «14 آذار» وثورة الأرز»، إلى «تبنّي ترشيح عون ولا سيما أنّ الإطار المذكور يترجم في نواح عدة عناوين مهمة من مشروع «14 آذار» ويتلاءم معها على خلفية الواقعية السياسية واعتماد أفضل الخيارات المتاحة».
وقال: «أدعو كذلك كلّ الأفرقاء والأحزاب والشخصيات المستقلة إلى الإلتفاف حول ترشيح العماد عون، علّنا نخرج من حال العداء والإحتقان والإنقسام التي نحن فيها الى حال أكثر وفاقاً وتعاوناً عنوانها الوحيد المصلحة اللبنانية العليا ولا شيء سواها، ولا سيما أنّ الإطار السياسي لهذا الترشيح يُشكّل نقطة التقاء بين فريقنا الذي يمثل رأس حربة في «14 آذار»، وبين «التيار الوطني الحر» كفريق متحالف مع «8 آذار» ما يُتيح للأفرقاء الآخرين الإلتقاء على ما التقينا عليه نحن صراحة وعلناً».
من جهته، شدّد عون على أنه «إذا تكلّمنا عن الماضي، فيجب الخروج منه لنستطيع بناء المستقبل، ولكن لا يجب أن ننساه لكي لا نكرّره. الورقة السوداء إنتهى دورها، ويجب حرقها، ولندع كل ذلك في ذاكرتنا فقط لكي لا نعيد تكراره»، متمنياً «أن تتمّ عملية الإنتخاب بخير في المستقبل القريب، وسنكون بالطبع غطاءً لجميع اللبنانيين. فنحن لم نتعامل كيدياً مع أحد. عندما كنا في صلب الخصومة السياسية، لم نكن كيديّين، فكيف بالأحرى ونحن في ممارسة المسؤولية؟!».
وزار عون يرافقه باسيل، جامعة الروح القدس - الكسليك، وعقد اجتماعاً مع رئيس الرهبانية اللبنانية المارونية الأباتي طنوس نعمة الذي قال: «نريد أن نشكر الله على حضور عون معنا، وعلى الوحدة التي حصلت بين الموارنة. إنّ هذه الوحدة أثبتت أنّ الطائفة المارونية منظمّة بشكلٍ كبير ولحضورها أهميّة كبيرة، وقد برهنوا في لقاء معراب عن حضارة كبيرة.
انّ العماد عون قيمة ضخمة، ونطلب من الله أن يرافقك وأن يكون معك في ترشيحك للرئاسة، هذا الترشيح الذي يُمثّل خيراً لوحدة ومستقبل لبنان».
أما عون فقال: « لا يمكننا إلّا وزيارة الرهبنة المارونية في ظلّ البهجة التي حصلت بعد لقاء معراب.
لا نريد أن نعود إلى الوراء، فحاضرنا سيء، وأمسنا سيء، يجب أن نخلق النموذج الجيّد لإعادة بناء لبنان. يجب أن نبحث عن حركة تأسيسية جديدة من دون أن ننسى الماضي، ولكن الأشياء تتآكل مع مرور الوقت، ونأمل بناء كلّ الأمور من جديد».
بكركي
الى ذلك، شهِدت بكركي حركة مشاورات كثيفة سبقت إعلان ترشيح جعجع تبنّي ترشيح عون رسمياً إلى رئاسة الجمهورية، بدأت صباحاً مع رئيس جهاز الإعلام والتواصل في «القوات» ملحم رياشي، لتُستكمل مع وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل وتُختتم مع عون، الذي زار بكركي قبل التوجّه الى معراب. في وقت خرقت زيارة رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة، المشهد ملمِّحاً الى رفض خطوة جعجع في اعتبار أن الرئاسة «شأن لبناني وليس مسيحياً فقط».
وأعلن عون أنه حمل الى الراعي والى اللبنانيين «حلاًّ لكل العقد التي كانت مستعصية». وقال: «لقد وضعنا بداية الحل الأساسي، فتمنوا لنا الخير، وعسى خيراً».
السنيورة
من جهته، شدّد السنيورة بعد زيارته بكركي على أنّ «انتخاب رئيس للجمهورية ليس شأناً مسيحياً فقط لكن أيضاً هو شأن لبناني بامتياز، فجميع اللبنانيين معنيون بإنتخاب رئيس الجمهورية، ولذلك يجب أن يكون هناك جهد لنصل الى هذا الشخص الذي يستطيع جمع اللبنانيين بكلّ انتماءاتهم السياسية على قاعدة احترام الوطن والدستور وتعزيز العيش المشترك بين اللبنانيين».
وعن موقف «المستقبل» إذا أعلن جعجع ترشيح عون، قال السنيورة: «لا أحب التسرّع في أيّ موقف في هذا الشأن، لنرَ ساعتها ونقيس فعلياً هل لنا مصلحة بذلك. وإن حصل ذلك فماذا يجب ان تكون طريقة التعامل في هذا الشأن».
وعما إذا كان هناك لقاء مرتقب في روما بين الحريري والراعي الذي سيتوجه الى ايطاليا الخميس المقبل، وهل من رسالة معينة حملها من الحريري الى الراعي، كشف السنيورة «أننا تداولنا في هذا الامر ولا مانع من اللقاء بينهما، ولكننا لم نتحدث عن اللقاء».
ولفت الى وجود تواصل بين الحريري وفرنجية، و»هناك حديث في إمكان أن تكون هناك مبادرة، ولكن حتى الآن لم تتشكّل مبادرة في انتظار ما سيكون من ردود أفعال، ونظرياً ما زال هناك حتى الآن مرشحان في المجلس النيابي هما الجنرال عون والدكتور جعجع».
وعلمت «الجمهورية» أن السنيورة نقل الى الراعي رسالة من الحريري مضمونها حصيلة لقاء باريس بينه وفرنجية الذي انتهى الى تجميد عملية ترشيحه انتظاراً للإتصالات الجارية في شأن الترشيح الى ان تفصح التطورات المتسارعة في المنطقة عما يمكن ان يؤدي الى اعادة البحث الجدي في الإستحقاق وموعده المحتمل.

اللواء :

18 كانون الثاني 2016: هل هو «انتفاضة» جديدة للدكتور سمير جعجع على حلفائه في 14 آذار؟ أم هو خطوة جدية لدعم النائب ميشال عون وهو في الثمانين من العمر، في سعيه الحثيث للوصول إلى بعبدا؟ أم هي واحدة من مناورات «الحكيم» في سن النضوج السياسي، وهو يقترب من طي عقده الستين لإخراج رئيس «التيار الوطني الحر» خصمه السياسي على مدى ثلاثة عقود على الأقل من السباق إلى قصر بعبدا، وبالتالي اخراجه كشخص من الحياة السياسية، في تمهيد لا يخفى على المراقبين، من انه يندرج في إطار وراثته سياسياً، أياً تكن الاحتمالات؟
من المرحب به ان يتمكن فريقان سياسيان لبنانيان من طائفة واحدة، أو أكثر من طائفة ان يطويا «صفحة سوداء» ميزت تاريخ العلاقة بينهما، كما كان طي صفحات الحرب الأهلية خطوة كبيرة على طريق إعادة بناء الدولة، مع وثيقة الوفاق الوطني التي ختمت الحروب الصغيرة والكبيرة في لبنان منذ العام 1969 وفي محطاتها المعروفة، سواء بين المسلمين والمسيحيين، أو بين المسلمين والمسلمين أو بين المسيحيين والمسيحيين انفسهم.
ومن المرحب به كذلك، ان يعلن أي طرف أو مجموعة أطراف، في إطار تفاهمات وطنية أو تحالفات، التمسك بوثيقة الطائف والدستور المنبثق عنها والسعي الحثيث لبناء الدولة.
احتفالية معراب
ما كان مدار تحليلات وتكهنات ومعلومات صار واقعاً، فقد أعلن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع من مقر اقامته في معراب، وعلى مسامع النائب ميشال عون ونواب «القوات»، والكادرات تبني ترشيح عون للرئاسة الأولى.
وراعى هذا الإعلان المراسم الاحتفالية التي اعدت باتفاق، في يوم طويل من اللقاءات والتحركات والزيارات، على الرغم من الطقس العاصف والهواء البارد، وزخات المطر والأجواء المكفهرة في الطبيعة.
في الشكل، كان كل شيء مدروساً، اما في المضمون فيمكن تسجيل النقاط الآتية:
1- استندت مطالعة جعجع حول تبني ترشيح عون، إلى ما وصفه «بدراسة وتفكير ومناقشات ومداولات» في الهيئة التنفيذية «للقوات».
2- اعتبر جعجع ان من الحيثيات الجدية التي جعلته يتبنى الترشيح «اننا بتنا على قاب قوسين أو أدنى من الهاوية، فصار لا بدّ من عملية إنقاذ غير اعتيادية، حيث لا يجرؤ الآخرون».
3- في مقاربة طغى فيها الشكل على المضمون، دعا جعجع القوى الحليفة في قوى 14 آذار وحلفاء «التيار الوطني الحر» إلى تبني هذا الترشيح.
4- ومع ان جعجع رأى في خطوته معالم أمل «للخروج مما نحن فيه إلى وضع أكثر اماناً واستقراراً وحياة طبيعية»، الا انه أراد ان يظهر عندما قرأ البيان - البرنامج الذي تضمنته ورقة «اعلان النيات» بين «القوات» و«التيار العوني» في 2 حزيران 2015، انه هو الضامن لخطاب القسم للنائب عون في حال انتخب رئيساً.
وفي الإعلان المشترك، أعاد جعجع «دغدغة» مشاعر «المستقبل» بالتمسك باتفاق الطائف، والتأكيد على علاقات الصداقة والتعاون مع جميع الدول لا سيما العربية منها، و«دغدغة» مشاعر «حزب الله» بالتأكيد على اعتبار إسرائيل دولة عدوة، فضلاً عن التطرق إلى دعم الجيش وتنفيذ القرارات السابقة التي تمّ التوافق عليها في طاولة الحوار الوطني.
تبنى النائب عون ما أعلنه جعجع، وشكره بكلام لم يكن مستفيضاً، لكنه أكثر توسعاً مما قاله في بكركي، واصفاً ترشيح «القوات» له «باليوم التاريخي»، آملاً بحصول إجماع حول شخصه، وذلك بالخروج من الماضي وبناء المستقبل.
ماذا بعد؟
وعلى مرأى من اللبنانيين جميعاً ورؤساء كتل وقادة أحزاب ومواطنين عاديين، شرب المحتفلون في معراب نخب «الخطوة التاريخية»، ولكن ماذا بعد؟:
1- النائب وليد جنبلاط لم يشأ الاستعجال في التعليق، لا تغريداً ولا ورقياً، وقال: «ان مجلس قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي واللقاء الديمقراطي سيجتمعان لاتخاذ القرار المناسب».
2- كتلة «المستقبل» المعني الأكبر بهذا الترشيح لأسباب معروفة ستحدد موقفها اليوم، وإن بدت معالم هذا الموقف آخذة بالتبلور، سواء في الموقف الذي أعلنه من بكركي رئيس الكتلة الرئيس فؤاد السنيورة، إذ أشار بعد لقاء البطريرك الماروني بشارة الراعي، الى ان انتخاب رئيس الجمهورية ليس شأناً مسيحياً، وجميع اللبنانيين معنيون به، داعياً إلى التشاور، وعدم التسرع، متريثاً في التعليق على خطوة جعجع التي اعلنها لاحقاً، معتبراً ان ثمة مرشحين في المجلس النيابي هما الجنرال عون والدكتور جعجع، كاشفاً عن ان لا مانع من لقاء الرئيس سعد الحريري مع البطريرك الراعي في روما بعد غد الخميس، وكاشفاً أيضاً عن استمرار التواصل بين الرئيس الحريري والنائب سليمان فرنجية، لكنه نفى رداً على سؤال عمّا إذا كانت الكتلة ستشارك في أي جلسة، أياً يكن المرشح، في إشارة إلى اننا لم نتطرق إلى هذا الموضوع، أو في الموقف الذي صدر على لسان عضو الكتلة النائب عمار حوري الذي اعتبر ان قرار عودة الرئيس الحريري إلى رئاسة الحكومة ملكه شخصياً، ويخضع للقواعد الديمقراطية المنصوص عنها في الدستور، في إشارة لما تردّد من معلومات من ان جعجع اشترط على عون لتأييده تبني ترشيح الحريري لرئاسة الحكومة.
3- نظرياً، يفترض ان يكون «التيار الوطني الحر» وضع «حزب الله» في كافة ترتيبات «احتفالية معراب» من الألف إلى الياء، وجاءت تغطية قناة «المنار» الناطقة بلسان حزب الله لهذه الاحتفالية بمثابة مؤشر دعم للخطوة، لكن ثمة انتظارين اليوم، بين فريق تفاهم 2006.
الأوّل ما سيتضمنه بيان تكتل الإصلاح والتغيير بعد اجتماعه بعد ظهر اليوم، والثاني بيان كتلة «الوفاء للمقاومة» بعد اجتماعها غداً او بعد غد.
لكن الانطباعات الأوّلية لدى الحزب اشارت إلى ان الحزب حذر من خطوة جعجع، ويخشى ان تكون هناك اتفاقيات سرية بين الطرفين لم يكشف عنها.
واعتبرت مصادر قريبة منه ان الخطوة أعادت خلط الأوراق ما يُعيد الأمور إلى نقطة البداية، ولهذا هو يعكف على دراستها، قبل إعلان الموقف الرسمي منها.
فرنجية مرشحاً
4- على ان الأهم، مسارعة رئيس تيّار «المردة» المرشح سليمان فرنجية إلى زيارة بكركي والالتقاء بالبطريرك الراعي، حيث شهد الصرح اجتماعات ماراتونية وأن كانت قصيرة على المستوى الثنائي من النائب عون إلى الوزير جبران باسيل ورئيس جهاز التواصل والإعلام في القوات ملحم رياشي وشخصيات كتائبية، وإعلانه بعد اللقاء انه «ما زال مرشحاً، ومن يريدني يعرف عنوان منزلي»، في أوّل تعليق على التحالف الانتخابي بين «القوات» وعون.
وبهذا الموقف، قطع فرنجية الشك باليقين، من انه خرج نهائياً من جيب الرابية، وأن طريق عون للرئاسة الأولى لا تمر من معراب فقط، وانه سيكون في مواجهته، في أوّل جلسة لانتخاب رئيس، مسقطاً الصورة النهائية لفكرة الإجماع أو شبه الإجماع، ومكرساً خلط الأوراق، سواء في ما خص موعد الجلسة أو النصاب أو التحالفات.
وأبلغ مصدر نيابي مطلع «اللواء» ان فرنجية وبصرف النظر عن موقف «حزب الله» يراهن على جبهة عريضة تدعم ترشيحه في مقدمها الرئيس الحريري وكتلته والنائب جنبلاط وكتلته والرئيس نبيه برّي الذي استبق خطوة جعجع بإلقاء بالون اختبار يحرره من أي التزام، عندما قال انه سيترك الحرية لنواب كتلته  ليصوتوا لمن يشاؤون.
5- وفي هذا السياق المتصل، علمت «اللواء» ان الرئيس برّي ليس على عجلة من امره، وهو سيقيم الموقف في بحر هذا الأسبوع، حيث تكتمل لوحة مواقف الكتل، مع العلم انه سبق وحدد موعداً لجلسة رقم 35 لانتخاب رئيس الجمهورية يوم الاثنين في 8 شباط المقبل، اما مسألة إعادة النظر في هذا الموعد فهي تحتاج إلى بعض الوقت حتى تتبلور الصورة.
ومن المتوقع ان تشهد عين التينة، اتصالات مباشرة لرؤية مآل هذا التطور.
6- اما بالنسبة للأطراف المسيحية، وعملاً بالنصيحة التي أطلقها في المؤتمر الصحفي، فقد أجرى جعجع اتصالاً مساءً برئيس الكتائب النائب سامي الجميل، واتفق معه على مناقشة هادفة لهذه الخطوة، موضحاً له انها لا تشكّل استقطاباً أو إلغاء لأي فريق مسيحي آخر، لا سيما حزب الكتائب حليف «القوات» في 14 آذار، لكن الجميل أبلغه بأن كتلة الحزب ستحدد موقفها من هذه الخطوة غداً الأربعاء.
وبالانتظار، وبصرف النظر عن توقعات وزير البيئة محمّد المشنوق من أن حرب إلغاء قادمة بين الحريري وجعجع، فإن الحدث غطى على ما عداه، وبدءاً من هذا الصباح، فإن البلاد ليست أمام يوم آخر، بل أيام أخرى.